Commentary

Op-ed

الشرق الأوسط يعيش نموذجين من التغيير الديمقراطي

لعلنا نقف على عتبة مرحلة ديمقراطية عربية، ولا تختص هذه الديمقراطية بالدول الإفرادية وظروفها الاقتصادية والسياسية الخاصة رغم أن هذه الظروف في حد ذاتها لا تخلو من الأهمية، ولكن ما يجري حالياً هو أكبر وأكثر من ذلك، حيث بدأ العرب يكتشفون قوة لم يدركوا قط أنهم يتمتعون بها. وبالتالي، ظلت الأنظمة العربية تعطي الانطباع بأنها مستقرة وقوية وآمنة وذلك بتوظيف القدرات والوسائل القمعية الساحقة. وفي وجه هذه الصعوبات كان النضال من أجل التغيير الديمقراطي يعتبر فشلاً أكيداً حتى قبل انطلاقه.

إلا أن التطورات في تونس لعبت دوراً حاسماً، وأثبتت أن الاستقرار الذي تبجحت به الحكومات الاستبدادية لم يكن إلا وهماً، ولا يمكن لهذه الحكومات الصمود أمام القوة الشعبية، فالأرقام لها أهميتها لما تعطي من الشعور بالقوة والأمان.

حتى ولو باءت محاولات الثورة بالفشل لن تستطع الأنظمة العربية أن تعود إلى نفس وضعها الذي كانت عليه في الماضي، بل سينتابها الخوف من الثورة التالية، أما المعارضة فستنتظربدورها، لأن مثل هذه الثورة قد يحدث في المستقبل، فلم يعد استقرار أي نظام أمراً مضموناً، ومن الملفت للنظر أن نفس هذا الشعور سائد في سياقات مختلفة، فأصبح النشطاء في اليمن ـ مستوحين من الأحداث التي شهدتها تونس والتي تشهد الآن مصر ـ يخططون احتجاجات “يوم الغضب” في الثالث من شهر شباط/فبراير، أما السوريون فيعتزمون تنظيمها في الخامس من شهر شباط/فبراير، كما شهد شمال السودان أيضا موجة منها، وفي غضون ذلك أفلحت جهود المعارضة في الأردن الجارية منذ سنوات عديدة في تنظيم موجة احتجاجات ناجحة لدفع تغييرات غير مسبوقة في طبيعة النظام الملكي في المملكة الأردنية الهاشمية.

والآن يظهر نموذجان للتغيير الديمقراطي، أحدهما النموذج التونسي ـ المصري ـ اليمني الذي يسعى للإطاحة بالنظام، ويبدو أنه ينطبق في الجمهوريات التي يحمل فيها المتظاهرون مطلبا وحيدا، وهو مطلب بسيط وشامل يتمثل في تخلي الرئيس عن السلطة. فيركز المتظاهرون على شخصية الرئيس لما يتمتع به من صلاحيات مطلقة ودور مهيمن، الأمر الذي يشجع المعارضة على توحيد صفوفها. ورغم اختلافها في الكثير من الأمور إلا أنها تتفق ـ في نهاية المطاف ـ على أهمهما، وهو الإطاحة بالرئيس.

أما النموذج الآخر للتغيير فهو يتمحور حول الإصلاحات الدستورية في الدول العربية التي يحكمها الملوك، ففي الدول مثل الأردن والمغرب يتم إجراء انتخابات حرية ونزيهة إلى حد معقول، إلا أن هذه الانتخابات لا تحمل دلالة تذكر لأن القرار النهائي ينحصر في شخصية الملك، والمشكلة هنا لا تكمن في شخصية الملك نفسه بالضرورة بل في مؤسسة الملكية والصلاحيات غير النسبية التي تتمتع بها هذه المؤسسة، ويمكن حل هذه المشكلة من خلال تطبيق إصلاحات دستورية تؤدي إلى نقل الصلاحيات والسلطة من الملك إلى برلمان منتخب ومؤسسة قضائية تتمتع بالاستقلالية، وهذا ما تطالب به جماعات المعارضة في الأردن.

ورغم هذا الاختلاف في النموذجين إلا أن كلاهما عبارة عن تعديل الهياكل السياسية فضلاً عن تطبيق إصلاحيات تدريجية بطيئة، وهو ما لم يفهمه القادة، ويبدو أنهم لا يزالون يعتقدون أن بإمكانهم أن يتخذوا إجراءات وتدابير ناقصة لاسترضاء شعوبهم، إلا أن الدرس الذي يستفاد من أحداث تونس ومصر ـ بجانب اليمن والأردن والدول الأخرى ـ ليؤكد أنه قد عيل صبر السكان العرب بعد طول الانتظار.