Commentary

Op-ed

الحرب في سوريا ستظل مستعرة ما لم يشمل وقف إطلاق النار كل المجموعات المتمردة

A boy, evacuee from a rebel-held area of Aleppo, carries blankets he received as aid in al-Kamouneh camp, Idlib province, Syria December 29, 2016. REUTERS/Ammar Abdullah

يمكن أن يجلب اتفاق وقف إطلاق النار في سوريا بوساطة تركيا وروسيا هذا الاسبوع استراحة مؤقتة يحتاج إليها شعبٌ يعاني حرباً وحشية ودموية على مدى حوالي ست سنوات. من الناحية النظرية، من شأن هذه الاستراحة أن تضع حداً للصراع كما أنها ستترجم إلى تسوية دائمة. أما من الناحية العملية، وفي أحسن الأحوال، فمن المرجح ألا تستمر أكثر من بضعة أيام أو ربما أسابيع، ثم قد ينهار مثل الاتفاقات السابقة.

الحقائق السياسية والعسكرية على الأرض هي التي ستقرر مصير الصراع في سوريا وآفاق السلام والاستقرار. لم يأت اتفاق وقف إطلاق النار الأخير على خلفية حسن نية وثقة متبادلة بين مختلف الأطراف المتحاربة. ويأتي اتفاق وقف اطلاق النار هذا بعد أسبوعين فقط على سقوط حلب في يد نظام الأسد ومؤيديه، الروس والإيرانيين، الذين فرضوا على مدى أشهر عديدة حصاراً وحشياً وعشوائياً على سكان حلب. أجبر مئات الآلاف من المدنيين على الخضوع وتحطمت مجتمعاتهم.

وإذا لم تطبّق اتفاقات وقف إطلاق النار بعناية، يمكنها أن تكون سطحية في نهاية المطاف، وأن تصرف الانتباه بعيداً عن الحملات العسكرية المكثفة وانتهاكات حقوق الإنسان. والمأساة هي أن عملية الإخلاء التي أعقبت سقوط حلب نقلت السكان إلى إدلب، وهي آخر معقل متبقي للمتمردين تحت سيطرة الفصائل الأكثر تطرفاً داخل المعارضة.

إنّ الاتفاق الذي توسطت فيه تركيا وروسيا لا يشمل هذه الفصائل، ورغم أنه أكثر استيعاباً للعديد من المجموعات المتمردة بالمقارنة مع الاتفاقات السابقة، إلا أنّ روسيا وإيران قد طبقتا في السابق معايير فضفاضة على مجموعات يعتبرها هذا الاتفاق أنها تنطبق عليها ثوابت “الإرهاب”، كما أنهما لا تفرّقان عادةً بين مختلف الفصائل المتمردة. بعبارة أخرى، يمكن لاتفاق هذا الأسبوع أن يوفّر لهما مرة أخرى غطاءً سياسياً كبيراً لتكثيف هجماتهما ولجعل الأزمة الإنسانية في البلاد أسوأ.

كما وأنّ جوانب أخرى من هذا الاتفاق مبهمة، إذا أننا لا نعرف الكثير عن تفاصيل آليات المراقبة التي من المفترض أن تنفّذ شروطه. قد يفتقر كل من تركيا وروسيا إلى النفوذ الذي من شأنه أن يجبر المتحاربين على قبول اتفاق وقف إطلاق النار.

لم تؤكد تركيا ما إذا كانت ستنشر جنودها لمراقبة الأحداث على الأرض والإشراف عليها، وهو شرط أساسي لاتفاقيات وقف إطلاق النار وأمر يسمح أيضاً للجهات الفاعلة الإنسانية بالدخول إلى مناطق الصراع والقيام بعملها بفعالية. لم يقبل عشرات الآلاف من المقاتلين المتمردين بالضرورة وقف إطلاق النار وقد سخّروا أنفسهم لمتابعة الحرب ضد نظام الأسد بعد سقوط حلب.

كما وأنّ يدي روسيا مربوطة أيضاً. ومثلما أظهر قطع إيران لعملية إخلاء حلب قبل أسبوعين، إن الميليشيات الإيرانية بالوكالة ومجموعات أخرى موالية للأسد هي التي تتحكم بالبيئة السياسية والأمنية المحلية والتي ستقرر في النهاية مصير اتفاقيات وقف إطلاق النار. إلا أنّ لا سلطة لروسيا على هذه المجموعات التي ليس بالضرورة أن تكون أهدافها السياسية والجيوسياسية على المدى الطويل مشابهة لأهداف موسكو. وفي الوقت الذي تحقق فيه تلك الميليشيات والمجموعات الأخرى الموالية للأسد المزيد من المكاسب، من المرجح أن تصبح أكثر حزماً وأن تبتعد أكثر عن نطاق نفوذ روسيا.

من المحتمل أن يشكّل اتفاق وقف إطلاق النار مقدمة لما يأمل الكثيرون أن يكون محادثات سلام ناجحة في العاصمة كازاخستان، أستانة، الشهر المقبل؛ ولكن من دون وسطاء أكثر مصداقية وشرعية، من المرجّح أن يكون حل مؤقت آخر يوفّر مجرّد استراحة للمعنيين ليس إلا.

لم يدلّ اتفاق هذا الأسبوع على وقف الاعتداءات بقدر ما دلّ على محاولة لخلق حل سياسي لحربٍ ذات زخمٍ تميل بشكل كبير لنظام الأسد وداعميه. وإذا افترضنا أن النظام، أو روسيا وإيران، لن يحققوا النصر التام في الأشهر المقبلة، سيظل من الصعب عليهم، إن لم يكن مستحيلاً، إقناع المعارضة والشعب السوري بأنهم مهتمون بالسلام وبتسوية نهائية. وليس ذلك حين تكون انتصاراتهم قد بنيت بتكلفة بشرية عالية وحين لا يزال عشرات آلاف المتمردين يتسلّحون بالعزم والموارد لمتابعة تمردهم بشكلٍ أو بآخر.

تم نشر هذا المقال باللغة الانكليزية  في جريدة ذا غارديان.

Authors