Commentary

Op-ed

الانتخابات الجزائرية المقبلة لن تُفضي إلى تغيير مجدٍ

Demonstrators carry a national flag as they march, a year since the start of weekly protests calling for a complete overhaul of the ruling elite, an end to corruption and the army's withdrawal from politics, in Algiers, Algeria, February 14, 2020. REUTERS/Ramzi Boudina
Editor's note:
.نُشرت هذه المقالة أصلاً باللغة الإنكليزية على موقع الجزيرة

في 12 يونيو، ستُقام انتخابات عاجلة في الجزائر لانتخاب 407 أعضاء في المجلس الشعبي الوطني، أي مجلس نوّاب البلاد. وكان من المفترض أساساً إجراء التصويت في العام 2022، بيد أنّ الرئيس عبد المجيد تبون بكّر تاريخ الانتخابات استجابةً للاحتجاجات المناهضة للحكومة التي تنتشر في البلاد.

فقد ظهرت حركة احتجاجية في الجزائر، تُعرَف باسم الحراك، في العام 2019 ردّاً على إعلان الرئيس آنذاك عبد العزيز بوتفليقة ترشّحه للرئاسة للمرّة الخامسة. فدفعت الاحتجاجات الشعبية الأسبوعية بوتفليقة، الذي كان في سدّة الرئاسة منذ العام 1999، إلى التنحّي في أبريل 2019. بيد أنّ خروج بوتفليقة من الساحة السياسية لم يشكّل نهاية هذه الحركة الشعبية، بل تابع المحتجّون بالنزول إلى الشارع بانتظام، مطالبين هذه المرّة بتغيير شامل للنظام السياسي، ويشمل ذلك بشكل خاص إبعاد جيش البلاد ذي النفوذ الهائل عن الساحة السياسية.

وقد توقّفت احتجاجات الحراك بأكثريّتها في مارس 2020 بسبب جائحة فيروس كورونا المستجدّ. بيد أنّها عادت بزخم في فبراير 2021، بعد أنّ تمكّنت البلاد من السيطرة نسبياً على التفشّي.

وفي الأشهر الأخيرة، أدّت التداعيات الاقتصادية الناتجة عن فيروس كورونا المستجدّ والانخفاض في أسعار النفط إلى ارتفاع في البطالة وانخفاض كبير في القدرة الشرائية لدى الجزائريين، ممّا سبّب المزيد من الاحتجاجات. وازداد الاضطراب بفعل القمع الذي لجأت إليه الحكومة مؤخراً ضدّ الأصوات المعارضة، بمن فيهم أعضاء من الحراك.

وقد حاولت القيادة العسكرية، غير الراغبة في الرضوخ لمطالب الشعب بقيام دولة مدنية وديمقراطية فعلية، احتواء الاضطرابات عبر مستويات مختلفة من القمع وعبر اللجوء أيضاً إلى تكتيكات سياسية، على غرار التعديل الدستوري في العام 2020. وما الانتخابات التشريعية المُبكرة سوى محاولة أخرى يجريها النظام الخاضع لسيطرة الجيش للتخفيف من التوتّرات.

بيد أنّ الحراك والكثير من الجهات الفاعلة في الجزائر سارعت إلى رفض الانتخابات الصوَرية. ومثلما بيّنت الاحتجاجات الجارية والانتقادات الشعبية المتزايدة للدولة، يبدو أنّ قسماً كبيراً من الشعب الجزائري يوافق على هذا الأمر.

نتيجة لذلك، من المتوقّع أن تقاطع أكثرية السكّان الانتخابات المقبلة. زد على ذلك أنّه على الرغم من الوعود بالوقوف على الحياد، من المرجّح أنّ يكون للجيش رأيٌ في اختيار الأحزاب التي تصل إلى السلطة بعد الانتخابات. ففي الجزائر، ما زال من الصعب جداً تصوّر سيناريو يفوز فيه حزب ما بالأكثرية بشكل يتعارض مع رغبة الجيش. ومن المستبعد أكثر حتّى أن تتغيّر ديناميات القوة في الجزائر بعد الانتخابات لدرجة تسمح لأي جهة فاعلة أو هيئة سياسية بتحدّي قوّة الجيش الكبيرة أو كبحها. بالتالي، من المستبعد جداً أن تؤدّي انتخابات 12 يونيو إلى أيّ تغيير حقيقي في البلاد.

فرصة للإسلاميين؟

نحو 24 مليون ناخب مدعوون للتصويت يوم السبت لانتخاب مجلس نيابي جديد لمدّة خمس سنوات. وتضمّ الانتخابات 1483 لائحة انتخابية، 646 منها طرحتها الأحزاب السياسية و837 طرحها المستقلّون. ومن بين 22554 مرشحاً، 10468 ينتمون إلى أحزاب سياسية والباقي، أي 12086، مستقلّون. وعدد المرشّحين المستقلّين أعلى من عدد المرشّحين المنتمين إلى الأحزاب السياسية، وهذه المرّة الأولى التي يحدث فيها ذلك في تاريخ الجزائر.

ونظراً إلى أنّه يُنظر إلى الأحزاب الراسخة على أنّها مؤيّدة للنظام وأنّ الحراك يعتبرها مسؤولة جزئياً عن الأزمتَين السياسية والاقتصادية الراهنتين، ستحصد هذه الأحزاب، على غرار جبهة التحرير الوطني والتجمّع الوطني الديمقراطي على الأرجح عددَ أصوات أدنى من الذي حصدته في الانتخابات التشريعية للعام 2017. لكن ما إذا كانت ستفقد حصّتها من النفوذ في البرلمان أمر يعتمد على أداء الأحزاب الأخرى الأصغر حجماً. وبشكل خاص، سيحدّد أداء الأحزاب الإسلامية في الجزائر على الأرجح تركيبةَ البرلمان والحكومة المقبلَين.

فلطالما واجهت الأحزاب الإسلامية صعوبة لكسب التأييد الشعبي في الجزائر. ففي العام 1992، حلّ الجيش الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وهو حزب سياسي إسلامي، عندما بات من الواضح أنّه في طريقه للفوز بالانتخابات العامة. وقد تسبّبت هذه الخطوة بحرب أهلية دامية استمرّت حتّى العام 2002 راح ضحيّتها ما يقدّر بمئتي ألف شخص. ودفع إرث هذه الحرب الأهلية الدامية بالإسلاميين إلى هامش الساحة السياسية الجزائرية وتركهم بدون فرصة تذكر لاستعادة السلطة.

لكن من شأن الاضطراب الجاري، مرفقاً بأزمة الشرعية التي يعانيها النظام وغياب البديل الموثوق، أن يمنح الأحزاب الإسلامية الفرصة لكسب المزيد من النفوذ في البرلمان بعد انتخابات يوم السبت.

مع ذلك، قد تواجه الأحزاب الإسلامية صعوبة في اقتناص هذه الفرصة ورفع عدد أصواتها إلى أقصى حد. فقد حاولت الأحزاب الإسلامية في خلال حملاتها الانتخابية أن تستميل المقترعين غير الإسلاميين والأقل تطرّفاً. وقد يفضي ذلك إلى خسارتها الدعم من بعض مقترعيها الأساسيين، وبالتحديد “الإسلاميين المتطرّفين”، في الانتخابات المقبلة. علاوة على ذلك، عبّرت بعض الأحزاب الإسلامية عن رغبتها في العمل مع النظام لتحقيق التغيير، مما يمكن أن يؤدّي إلى خسارتها دعم المقترعين الذي يرغبون في رحيل النظام. وقد تتأثّر هذه الأحزاب أيضاً لأنها لم ترفض هذه الانتخابات ولأنها شاركت في الحكومات في السابق.

مثلاً، شاركت حركة مجتمع السلم، المتحالفة مع الإخوان المسلمين التي قال زعيمها عبد الرزاق مقري مؤخراً إنّ حزبه جاهز لاستلام الحكم وله علاقات طيّبة مع السلطات، باستمرار في الحكومة بين العام 1997 (الانتخابات البرلمانية الأولى بعد الحرب الأهلية في الجزائر) والعام 2011. في غضون ذلك، استعمل زعيم حزب البناء، عبد القادر بن قرينة، الذي حلّ ثانياً بعد تبون في الانتخابات الرئاسية للعام 2019، برنامج حملته للدعوة للمصالحة وتخطّي الحرب الأهلية.

مع ذلك، قد تحصد هذه الأحزاب ما يكفي من الأصوات لقيادة مجلس النواب. بيد أنّه من المستبعد أن تعتمد أجندة الإصلاح الجذري التي يريدها الحراك.

بالتالي، هي لا تشكّل تهديداً للنظام. في الواقع، قال الرئيس تبون مؤخراً إنّ الأيديولوجية الإسلامية المعتدلة التي تعتنقها هذه الأحزاب لا تزعجه وإنّه على استعداد للعمل معها. لذلك، في حال شكّلت الأحزاب الإسلامية الحكومة الجديدة في الجزائر ستكون على الأرجح في موقف مشابه لحزب العدالة والتنمية في مملكة المغرب المجاورة، الذي كان في السابق في المعارضة لكنّه رضخ للنظام.

الصورة الكبرى

تشير كلّ الإشارات إلى أنّ انتخابات 12 يونيو في الجزائر لن تفضي إلى أي تغيير أو إصلاح بارز، وسوف يستغلّها النظام كأداة لاستعادة شكل من أشكال الشرعية.

لكنّ خطط النظام الواضحة للتعامل مع نتائج الانتخابات كخاتم موافقة يعرقلها الإقبالُ المنخفض المتوقّع على الانتخابات، إذ يقاطع الكثير من الجزائريين الانتخابات في السنوات الأخيرة، فكانت نسبة الإقبال على الانتخابات الرئاسية في العام 2019 أربعين في المئة، فيما سجّل استفتاء العام 2020 حول الدستور أدنى نسبة إقبال على الإطلاق مع 24 في المئة. ومع رفض الحراك وعدّة أحزاب سياسية يسارية وأمازيغية الانتخابات، من المرجّح أن يكون الإقبال على الانتخابات يوم السبت منخفضاً أيضاً.

وسيشكّل هذا الأمر مشكلة للنظام الذي لا يهدف إلى تهدئة الحركة الشعبية من خلال انتخاب مجلس نواب جديد فحسب، بل يسعى أيضاً إلى توليد الانطباع بأنّه يحظى بدعم الشعب الجزائري. وسيجد نفسه على الأرجح عاجزاً عن تحقيق أيّ من الهدفَين، لأنّ الجهات الفاعلة السياسية والمواطنين على حدّ سواء على علم بأنّ هذه الانتخابات جزءٌ من استراتيجية التحرير الوهمية التي ينتهجها النظام وأنّ القيادة العسكرية لن تسمح أبداً بدمقرطة حقيقية.

لكن بغضّ النظر عن أيّ أحزاب تتصدّر الانتخابات أو نوع التحالف الذي يتمّ تشكليه بعدها الاقتراع، يمكن الخروج باستنتاجَين.

أولاً، ستبقى السلطة الحقيقية في يد الجيش. نتيجة لذلك، سيكون أيّ إصلاح في المستقبل على الأرجح شكلياً هدفه ترسيخ سلطات النظام مع إرضاء المحتجّين.

ثانياً، سوف يستمرّ الحراك، وسترفض أكثرية أعضائه المساومة. فلن تختفي المطالب بتغيير النظام بكلّ بساطة، ولن ترضخ القيادة العسكرية بصدق لهذه المطالب في المستقبل القريب. بالتالي، سيستمرّ الجمود الحالي، جاعلاً من القمع نتيجة أساسية للأوضاع. وفيما أبدت الجهتان في البداية ضبطاً للنفس في اللجوء إلى العنف من أجل تفادي العودة إلى مشهد مماثل للحرب الأهلية التي نشبت في العام 1990، لجأ النظام مؤخراً إلى عمليات قمع قاسية، وقد يستمرّ في ذلك إن لم يتمّ التوصّل إلى تسوية.

Authors