Commentary

Op-ed

افغانستان : الخطر المحدق؟

” لقد كلف إهمال أفغانستان بلدنا الكثير. والآن حان وقت مساعدة الشعب الأفغاني الذي ترفض غالبيته عودة طالبان، من أجل بناء قوات أمنية قادرة على حمايته. فليس بوسعنا اقتراف ذات الخطأ ثلاث مرات.”

لمرتين خلال ربع القرن الأخير أهدرت الولايات المتحدة انتصارات عظيمة تحققت في أفغانستان ، لأنها لم تتبع ذلك بالتزام ثابت ودائم من أجل أنشاء حكومة مستقرة في أفغانستان. وفي الحالتين كلتيهما كان ثمن اهمالنا لأفغانستان باهضا جدا. ويجب أن لا نكرر الخطأ مرة ثالثة لأن ذلك سيكلفنا ثمن مؤلما، وربما لن تتاح لنا فرصة رابعة.

ففي أواخر عقد الثمانينات وبعد أضخم عملية عسكرية خفية في تاريخ بلدنا تمكن المجاهدون المدعومون من الولايات المتحدة من دحر جيش الأربعين الروسي ، وبعد ذلك، انهار الأتحاد السوفييتي نفسه. وانقسم المجاهدون على أنفسهم بصورة كبيرة، ثم سرعان ما خاضوا حربا أهلية. وكان بوسع الولايات المتحدة أن تقود جهدا دوليا لاستعادة النظام وأن تستعين بلاعبين رئيسيين مثل الباكستان والعربية السعودية لمحاولة أنهاء الصراع .

وبدلا من ذلك لم تلق أفغانستان أي أهتمام من البيت الأبيض أومن الكونغرس. ومع أواخر عقد التسعينات، كانت حركة طالبان قد تسلمت السلطة وتستضيف مجاميع القاعدة الأرهابية الأكثر تطرفا، والتي هاجمت الولايات المتحدة أول مرة عام 1998 ثم في عام 2000، وأخيرا في 11 سبتمبر من عام 2001.

في أواخر عام 2001، قادت المخابرات المركزية الأميركية حملة للإطاحة بسلطة طالبان بدعم من تحالف الشماليين وهم أعداء طالبان في الداخل. ومرة أخرى كانت النتائج باهرة وسريعة فمع مطلع عام 2002 كانت حركة طالبان قد طردت من السلطة ومجاميع القاعدة تفر وتتراجع مع طالبان الى داخل باكستان. وربما كان بوسع جهد منظم في عامي 2002 و 2003 أن تدمر القاعدة وتنشئ دولة أفغانية قادرة على فرض سيطرتها على حزام منطقة قبائل البشتون في الجنوب حيث توجد أقوى معاقل طالبان .

وبدلا من ذلك ،تحولت موارد واهتمامات الولايات المتحدة الى العراق، بينما حظي الأفغانيون بدعم هامشي محدود من الولايات المتحدة. وبحلول عام 2006، كانت حركة طالبان قد عادت من جديد. ومع ذلك استمرت الموارد الأمريكية باتجاه العراق بينما تنامت قوة طالبان بسرعة. وفي سنة 2008 تعاظمت ثقة طالبان بقدراتها وسيطرت على معظم المناطق الريفية في القسم الجنوبي من البلاد حيث تشكل قبائل البشتون غالبية السكان هناك.

واليوم تظهر المؤشرات بأننا نخسر الحرب في أفغانستان وان لم نخسرها تماما بعد. فقد قرر الرئيس أوباما توجيه الموارد الى الحرب في أفغانستان لأضعاف طالبان، وهو على صواب في ذلك.

فإذا تمكنت طالبان من تعزيز موقفها في جنوب وشرق أفغانستان فمن المؤكد بأنها ستوفر للقاعدة ملاذا آمنا من جديد للتآمر على أميركا، وتوسع بذلك الملاذ الآمن المتوفر لها حاليا في باكستان . فما من مبرر للإعتقاد بأن الملا عمر قد ابتعد عن أسامة بن لادن منذ عام 2001. فقد طالبه العديدون للقيام بذلك ومنهم السعوديون ولكن دون جدوى. وفعلا اتسم خطابه منذ عام 2001 بسمة الجهاد الكوني جاعلا من الصراع في أفغانستان ذا سمة دولية ضد ” الجيوش الصليبية” التابعة لحلف الناتو. واذا لم يبتعد الملا عمر عن القاعدة بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001 عندما كان مصير الأمارة الأسلامية مهددا، فأن احتمال أن يفعل ذلك الآن احتمال أضعف ، عندما يسشعر ضعفا في ارادتنا في أفغانستان. فهدفه هو اخراجنا من هناك واعادة فرض جحيم سلطة القرون الوسطى التي أسسها في التسعينات على الأفغانيين.
وتزداد القضية خطورة بالنسبة لباكستان المجاورة، فانتصار طالبان أفغانستان سيشجع حركة طالبان الباكستانية على العمل من أجل السيطرة على ثاني أكبر بلد مسلم. ففي شهر شباط الماضي قام عدد من قادة حركة طالبان باكستان بتوحيد قواتهم، وإعلان تحالفهم مع الملا عمر وأسامة بن لادن. و في حالة انتصار شريكتها طالبان الأفغانية، ستكون طالبان الباكستانية، والتي تمكنت حتى الآن من الزحف من المناطق القبلية باتجاه مدن الرئيسية مثل كراتشي، ستكون أكثر استعدادا لبسط سيطرتها على معظم مناطق البلد. وقد يعقد الجيش الباكستاني صفقة معها كما فعل في منطقة سوات . وستزداد قدرة القاعدة بذلك على المناورة وربما تحاول وضع يدها على الترسانة النووية الأسرع تناميا في العالم.

ان للعالم الإسلامي بأسره مصلحة في مستقبل أفغانستان، فمجاميع الإرهاب الجهادية من الجزائر الى اندونيسيا، ومن أزبكستان الى الصومال تم تدريبها في أفغانستان في السابق، وسيتكرر هذا ثانية اذا انتصرت حركة طالبان والقاعدة . وللسعودية والأمارات العربية المتحدة مصلحة خاصة، فلهما كباكستان علاقات قديمة مع طالبان. وعلى الولايات المتحدة حث الرياض على تقديم دعم أكبر لحكومة كابول . ولقد اتخذت دولة الأمارات العربية المتحدة قرارا شجاعا بارسال قوات للمشاركة في حفظ الأمن ضمن قوات الأمن الدولية بأفغانستان.

وعلى الدول الأسلامية الأخرى أن تفعل نفس الشيء ، أو أن تسهم في صندوق بناء قوات الجيش والشرطة الأفغانية. ومثلما نخصص موارد موجهة للصراع في أفغانستان بشكل صحيح بعد سنوات من الأهمال، يجب أن نضغط على الدول المسلمة الصديقة لكي تفعل نفس الشئ : فهذه حربهم أيضا.

لقد كلف أهمال أفغانستان بلدنا الكثير. والآن حان وقت مساعدة الشعب الأفغاني الذي ترفض غالبيته عودة طالبان، من أجل بناء قوات أمنية قادرة على حمايته. فليس بوسعنا اقتراف ذات الخطأ ثلاث مرات.

xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx
بروس ريدل باحث أعلى في مركز سابان لسياسات الشرق الأوسط في مؤسسة بروكنجز، ويعمل بالتعاون مع مركز بروكنجز الدوحة. وهو أيضا أستاذ في جامعة جورجتاون وعمل مستشارا لأربعة رؤساء أميركيين بشأن أفغانستان. في يناير 2009، كلفه الرئيس باراك حسين أوباما برئاسة لجنة اعادة النظر بالسياسة الأميركية في أفغانستان وباكستان، واقتراح سياسة جديدة. أكمل ريدل التقرير المطلوب في آذار، وأعلن الرئيس سياسته الجديدة يوم 27 آذار 2009.