Commentary

Op-ed

أوباما وضرورة مواجهة نتنياهو بشأن عنف المستوطنين الإسرائيليين

كان خوف سائقي الفلسطيني مبررًا أثناء مرورنا نحو المستوطنة الإسرائيلية يتسهار في الضفة الغربية المشهورة بتكرار الهجمات على المواطنين الفلسطينيين المجاورين في الوقت الذي لم يمض فيه سوى شهر واحد على واقعة مهاجمة مجموعة من المستوطنين السائق بصخرة كبيرة ولكنهم لم يصيبوها. وعلى بعد ميلين من الطريق، أبلغ السائق دورية تابعة للجيش الإسرائيلي كانت بالمنطقة بهذا الهجوم وتساءل قائدها ما إذا كانت هناك إصابات، فأجابه السائق بأنه لم يُصب أحد فصرح القائد قائلاً :”ليس هناك مشكلة ما دام لم يوجد إصابات”.

إذا كان سائقي محظوظًا ونجا من هذه الهجمات، فهناك آخرون وقعوا ضحية لهذه الهجمات. فعند العودة إلى بيت لحم، هاجم المستوطنون عائلة غياثا وقذفوهم بالقنابل وهم في سيارة الأجرة وأسفر عن إصابة كل من زوجته أيمان غياثا وأطفاله الثلاثة وسائق السيارة بإصابات خطيرة. وصرحت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، قائلة “الولايات المتحدة تدين بأشد العبارات الممكنة هجوم الأمس على سيارة أجرة فلسطينية في بيت لحم بالضفة الغربية”. إذن، تم ذكر الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون اليهود على “السكان والممتلكات وأماكن العبادة الفلسطينية” للمرة الأولى في تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الإرهاب بأنها “وقائع إرهاب”.

إذا كان ذكر الفلسطينيين إشارة مهمة في كيفية تعامل الولايات المتحدة مع قضية الاستيطان، فإنه يمثل أيضًا تهديدًا بأن تظل شعارًا على الورق وليس مصطلحًا لا بد أن يدخل حيز التنفيذ. في نفس الوقت، لا يعني ذكر “إرهاب المستوطنين” أن الحكومة الإسرائيلية لا تتحمل الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذه الظاهرة من خلال سياستها وتعقيد ردها على العنف. كذلك، فإن من الراجح أن يحد النظر إلى الحملة على أنها إرهاب مستوطن معزول يحد من فهم المشكلة ويعيق الإستراتيجية الفعالة لحلها.

زاد إرهاب المستوطنين بشكل كبير في السنوات الأخيرة حيث شهد النصف الأول من عام 2012 عدد 154 هجومًا. ووفقًا لتقرير أعده المسؤولون الأوروبيون في فبراير هذا العام، ارتفع عدد الهجمات من 132 في 2009 إلى 411 في 2011. وأوضح تقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو 2012 ارتفاع الهجمات الإرهابية التي يشنها المستوطنون ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية بنسبة 150% منذ عام 2008 ولم تقتصر على العنف ضد الأفراد بل امتدت لتشمل أماكن العبادة (غالبًا المساجد) التي تم إشعال النيران فيها والأشجار التي تم اقتلاعها والمواشي التي تم ذبحها. وفي أغسطس، ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن 14 من القطيع قد لقي حتفه في هجمات للمستوطنين ضد رعاة فلسطينيين بالقرب من قرية عقربا بالضفة الغربية.

هناك أدلة متزايدة للاقتراح بأن الحكومة الإسرائيلية تلعب دورًا مجهولاً ومعقدًا في التعامل مع إرهاب المستوطنين. وقد صرح مؤخرًا دان حالوتس رئيس هيئة الأركان العامة الإسرائيلي السابق للإذاعة الإسرائيلية أن حكومة رئيس الوزراء بنياميبن نتنياهو لا تفعل كل ما بوسعها لإيقاف عنف المستوطنين قائلاً “يمكننا ملاحقتهم إذا أردنا، وحينما نريد سنقبض عليهم”. في نفس الوقت، صرح حالوتس للقناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي في فبراير 2012 أنه تم مشاهدة وزير العدل الإسرائيلي وهو يقدم توجيهاته وإرشاداته لليمينيين في شريط مسجل حول كيفية الحصول على العفو عن الإرهابيين اليهود – وهو ما قد يعتمده لاحقًا.

ذكر تقرير مارس 2012 الذي أعده كبار مسؤولو الاتحاد الأوروبي أن “الحماية والمزايا العنصرية لمجتمعات المستوطنين …. مسيئة وتخلق بيئة يمكن أن يعمل فيها المستوطنون بحصانة واضحة”. وذكر التقرير أن هذه العوامل والإجراءات الأخرى أدت إلى تصور أن “عنف المستوطنين يفيد الدعم الضمني لدولة إسرائيل”. إن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بجميع الاتجاهات الأيديولوجية – اليسار واليمين والوسط – يمكن أن تكون مسؤولة عن تصور الأسباب الرئيسية لإرهاب المستوطنين عن طريق إنشاء ودعم حركة الاستيطان في الضفة الغربية. وقد سعت أو رفضت جميعها أن تضع حدًا لهذه السياسة بالرغم من إجماع المجتمع الدولي على عدم شرعية بناء هذه المستوطنات.

لقد كانت الحكومة الأمريكية على صواب حينما عارضت باستمرار السياسات الإسرائيلية بشأن المستوطنات بوصفها عقبة خطيرة في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. غير أن عدم دعم هذه اللغة بإجراءات وأفعال على أرض الواقع ساعد في خلق شبح إرهاب المستوطنين الذي بات يبدو من الصعب السيطرة عليه. إذا كان قرار الرئيس أوباما قرارًا صائبًا بتجميد بناء المستوطنات، إلا أن فشله في دعم مطلبه أتاح الفرصة لحكومة نتنياهو في انتهاج أعظم سياسة استيطان عنيفة حتى اليوم.

إن أنشطة الاستيطان في المناطق الفلسطينية تفرض تهديدًا تنظيميًا للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وهو ما يفرض على واشنطن التصدي لها. ولا شك أن وصف وزارة الخارجية الأمريكية هجمات المستوطنين بأنها “وقائع إرهاب” يشير إلى أن هذه الهجمات قد تدفع الفلسطينيين إلى الاستجابة لها ما يدفع المنطقة إلى الدخول في دورة عنف جديدة وهو ما لا تتحمله الولايات المتحدة في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة سيل من الأزمات. يمثل قرار وزارة الخارجية الأمريكية بوصف عنف المستوطنين في الضفة الغربية بأنه إرهاب يمثل فرصة وتحدي للمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، فهو فرصة لواشنطن لتصحيح الخطأ التاريخي بتغيير سياسات الاستيطان الإسرائيلية التي تهدد الاستقرار الإقليمي الذي تنشده الولايات المتحدة. ولكي نواجه المشكلة، يجب أن تتعامل الولايات المتحدة مع السبب الرئيسي للمشكلة: استمرار التوسع الاستيطاني المنظم في المناطق الفلسطينية. ولكي نضمن أمن وسلامة الاستقرار الإقليمي، لا بد أن يشعر سائقي هذا بالأمان عند مزاولته لمهام عمله ومصدر رزقه اليومي وأن تتأكد عائلة غياثا من أنها لن يتم مهاجمتها عند عودتها لمنزلها.

لعل وصف عنف الاستيطان بأنه “إرهاب” هو الخطوة الأولى نحو التوصل إلى حل، ويمكن لإدارة أوباما أن تفعل الكثير لحل هذه المشكلة. لقد حان الوقت لواشنطن أن تبلغ إسرائيل بلهجة شديدة أن الولايات المتحدة لم تعد ترغب في ربطها بانتهاك حقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية وأن توضح ذلك في المستقبل، وعلى صناع السياسة الإسرائيليين أن يتحملوا المسؤولية الكاملة عما تتخذه تجاه المستوطنات من إجراءات دون ضمان الحماية الأمريكية المطلقة.

إضافة إلى ذلك، يتعين على الولايات المتحدة أن تتوقف عن التصرف بطرق زائفة من خلال وصف الظاهرة بأنها “إرهاب” حينما استخدمت حق الفيتو وعارضت في مجلس الأمن القرار الذي يدين المستوطنات الإسرائيلية. من ناحية أخرى، فإن المصالح المالية أداة أخرى يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة بكل تأكيد لإنهاء الوضع حيث إن الأموال التي يقدمها دافعو الضرائب الأمريكيون تمول أنشطة بناء المستوطنات بشكل غير مباشر. وعلى الولايات المتحدة أيضًا أن تجعل المساعدات المالية التي تقدمها لإسرائيل مشروطة بالتزام الحكومة الإسرائيلية بالقانون الدولي وإنهاء أنشطة الاستيطان. وقد حققت عدد من الدول الأوروبية بعض التقدم في هذا الصدد من خلال مقاطعة منتجات الاستيطان على أساس مشاركة المستوطنين في انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلاحين الفلسطينيين في الضفة الغربية.

يمثل وصف الظاهرة بأنها إرهاب مستوطنين يمثل تحد آخر للولايات المتحدة. وبالطبع، فإن عدم اتخاذ خطوات كاملة بشأن آثار هذا المصطلح قد يفاقم الأزمة الأمريكية المستمرة: الاتهام بانتهاج سياسة “الكيل بمكيالين” في الشرق الأوسط. إن موقف واشنطن التاريخي تجاه الإرهاب مشهور بعدم التسامح إطلاقًا – فحيثما وجد الإرهاب أعقبه الأفعال؛ وعدم اتباع هذه المعايير في هذه الحالة يطرح السؤال عبر المنطقة: هل جميع الإرهابيين سواء؟