February

22-23
2016

ماذا تعني الانتخابات الرئاسية الأمريكية للشرق الأوسط؟

Monday, February 22 - Tuesday, February 23, 2016
جامعة قطر، مبنى الإدارة، قاعة الاستقبال
مبنى الإدارة، قاعة الاستقبال

جامعة قطر
الدوحة

 نظّم مركز بروكنجز الدوحة، بالتعاون مع مركز دراسات الخليج في جامعة قطر، ندوة في 22 فبراير 2016 تناولت الانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2016 وتأثيرها على السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. شارك في الندوة جون هوداك، زميل أول في قسم دراسات الحوكمة ونائب مدير قسم الإدارة العامة الفعالة بمعهد بروكنجز؛ وعبدالله باعبود، مدير مركز دراسات الخليج في جامعة قطر. أدار الجلسة سلطان بركات، مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة، وحضرها شخصيات دبلوماسية وأكاديمية وإعلامية في دولة قطر.

 قدّم هوداك لمحة شاملة عن طريقة عمل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، التي شرحها في تقريره. قال إنّ الحملات الانتخابية أصبحت الآن لمدة عامين وهي مكلفة للغاية. ففي العام 2012، أُنفق أكثر من مليار دولار على كل حملة من حملتيّ أوباما ورومني، بينما يُتوقع هذا العام أن تفوق تكاليف الحملات مجتمعة 5 مليارات دولار. فالحزبان يخوضان منافسات مفتوحة للترشيحات. بالنسبة للديموقراطيين، انحصرت المنافسة بسرعة بين هيلاري كلينتون وبيرني ساندرز، بينما بدأ الحزب الجمهوري بـ 17 مرشّحاً – بعضهم يمتلك مقوّمات قويّة، بينما لا يمتلك البعض الآخر شيئاً منها. بقي من المرشّحين الجمهوريين خمسة متنافسين فقط، ثلاثة منهم أقوياء هم دونالد ترامب وتيد كروز وماركو روبيو.

تابع هوداك القول، من الناحية الإجرائية لم تبدأ العملية فعلياً حتى شهر فبراير، مع انطلاق سلسلة الانتخابات المصغّرة والانتخابات التمهيدية في ولايات أيوا ونيوهامشير وكارولينا الجنوبية ونيفادا. غالباً ما يقدم المرشّحون ترشيحاتهم قبل المؤتمرات الوطنية التي تُعقد في يوليو، لكن الحال تغيّر هذا العام خصوصاً من جانب الجمهوريين، حيث لم يتمكن أحد من الحصول على غالبية في الأصوات، حتى ترامب الذي يتقدّم الآن، لم يفز بنسبة الـ 40 بالمئة في أي ولاية بعد. إذا لم يحصل أي من المرشّحين على غالبية أصوات قبل المؤتمر الوطني، عندها ستكون الطريق مفتوحة لاختيار مرشّح من خلال المفاوضات، أو ربّما من خلال اتفاقات تتم خلف الكواليس؛ ورغم أن هذا السيناريو مثير للقلق إلا أنه يمكن أن يطمئن الجمهوريين الذين يكرهون ترامب. عموماً دخل الديمقراطيون الانتخابات بتقدّم، كونهم حققوا نتائج جيدة في الدورتين الانتخابيتين السابقتين، كما وأنّ حملة الجمهوريين لم تستطع أن تتدارك هذا التقدّم حتى الآن.

وبالانتقال إلى السياسة الخارجية، ذكر هوداك أن بعض المرشّحين تقدّموا بمشاريع مفصّلة ومدروسة؛ وأن الحملة يمكن أن تكون مليئة بالأفكار الجديدة، لكن لم يتم تسليط الضوء على هذا الموضوع بشكل واسع نتيجة تقصير وسائل الإعلام في أداء واجباتها. وقال إن الكثيرين حول العالم يتوقون إلى المزيد من القيادة الأمريكية في التعامل مع الدولة الإسلامية. لكن ورغم أن العديد من المرشّحين يتفقون على ضرورة مساهمة دول الخليج بشكل أكثر فاعلية في موضوعيّ التمويل والعسكرة، إلا أنهم يختلفون حول معظم الاستراتيجيات الأخرى. فمثلاً، دعا كروز إلى قصف جوّي ساحق في الشرق الأوسط، وإلى حضور عسكري أمريكي أقوى، بينما قال ترامب إنه سيجبر العراق على تحويل 1,5 تريليون دولار من عائدات النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية وبعدها سيقصف حقول النفط العراقية . آخرون، مثل روبيو وكاسيك، يريدون لأمريكا أن تتبنى دوراً أكثر دعماً من حيث التدريب والتنسيق، مع التركيز على القضايا الإنسانية أيضاً. في الفترة المخصّصة للأسئلة والأجوبة، أكّد هوداك أن سوريا ستكون على الأرجح مشكلة السياسة الخارجية “الأولى منذ اليوم الأول” للرئيس الجديد.

بالنسبة للاجئين السوريين، أشار هوداك إلى أنّ كلينتون وساندرز قد قالا إن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تستقبل بعض اللاجئين، بينما عارض معظم المرشّحين الجمهوريين استقبالهم، حتى إن دونالد ترامب دعا إلى منع المسلمين من دخول أمريكا. هذه الأفكار التحريضية لم تأتِ من عدم، بل هي موجودة ضمن مكوّنات المجتمع الأمريكي؛ وقد عبّر 75 بالمئة من الجمهوريين في كارولينا الجنوبية عن دعمهم لحظر دخول المسلمين، وكلما ازدادت نبرة ترامب تطرّفاً، كلما حصد المزيد من دعم الجمهوريين. ومع هذا، فقد ناقش بعض المرشّحين عملية إعادة الإعمار بعد انتهاء الصراع في سوريا، مع فارق مهم هو أن الديمقراطيين كانوا يريدون من حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أن تنفق على إعادة الإعمار من خزينتها، بينما عارض الجمهوريون بشدة هذا النوع من الإنفاق.

بعد ذلك، لخّص هوداك النتائج حتى الآن. قال إن نصر كلينتون في نيفادا يؤهلها للفوز بالترشيح رغم انخفاض أرقامها في أيوا ونيوهامشير. وإذا نجحت، كما تتوقّع استطلاعات الرأي، في الانتخابات الأولية القادمة في كارولينا الجنوبية والولايات الاثنتي عشرة التي ستصوّت يوم “الثلاثاء العظيم” في 1 مارس، عندها سيكون من الصعب على ساندرز أن يفوز. أما من الجانب الجمهوري، فترامب يحقّق نتائج ممتازة رغم أن هذا قد يكون أقصى ما يمكن أن يحرزه. ورغم أنه يلقى معارضة الكثيرين في الحزب الجمهوري، إلا أن هؤلاء لا يستطيعون منعه من الفوز، كما أن حرمانه من الترشّح للمؤتمر الوطني قد يسبب مشكلة كبرى.

بدأ باعبود مداخلته بالقول إن الشرق الأوسط يراقب عن كثب الانتخابات الأمريكية نظراً لمكانة الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى. وقال إن بعض الدول، كدول الخليج مثلاً، ترغب في أن يفوز الجمهوريون بسبب العلاقات التاريخية التي تربطها بهم، بينما تفضّل إيران وسواها فوز الديمقراطيين. وأضاف أن دول الخليج محبطة من انعدام وضوح سياسة أوباما، وهي تفسّر اتفاقه مع إيران وموقفه المتحفّظ في سوريا على أنه تراجع في دور أمريكا كضامن لأمن المنطقة. وأكّد باعبود أن دول الخليج أصبحت أكثر استقلالاً في قراراتها والدليل هو الصراع اليمني والإجراءات التي اتُخذت بشأن سوريا.

ورداً على سؤال بركات حول أسباب عدم طرح قضايا السياسة الخارجية في الحملة الانتخابية، أوضح هوداك أن الأمريكيين مهتمون أكثر بالقضايا التي تمسّهم بشكل مباشر، كالاقتصاد مثلاً. وقال إن الرئيس الجديد يجب أن يفكر بالشرق الأوسط بطريقة أكثر ديناميكية وبأسلوب يختلف عن الطريقة المبتسرة التي تتبعها الحملة حالياً، إذ يبدو المرشّحون اليوم أشبه بـ “الهواة” في مسارات السياسة الخارجية، ولا يبدو أنهم يدركون كيف أن الأحداث التي تقع في دولة ما يمكن أن تؤثّر على باقي الدول. وبالمحصّلة، يمكن أن تكون كلينتون هي الأفضل لعملية انتقالية سلسة، فقادة العالم يعرفون ماذا يتوقعّون منها، بينما ترامب مجهول تماماً بالنسبة إليهم.

سأل بركات ما إذا كانت حملة كلينتون تتأثّر بكونها امرأة، فأجاب هوداك أن الأمريكيين القلائل الذين لن يصوّتوا لمرشّحة هم على الأرجح ليسوا ديمقراطيين، لذا فإن التحيّز القائم على الجنس لن يعيق تقدّم كلينتون، أما من الجانب الجمهوري فقد واجهت كارلي فيورينا ممانعة قوية. وبنفس الأسلوب، يواجه المسلمون الأمريكيون تحديّات حقيقية، فالتحيّز الواضح ضدهم يتقاطع مع خطوط الحزب، ويعيق قدرتهم على التأثير في الانتخابات كما تؤثّر باقي الأقليات. وأضاف باعبود أن هناك شرخاً بين المسلمين والعرب الأمريكيين وبين نظرائهم في الشرق الأوسط، وأن الصراعات التي تشهدها المنطقة يمكن أن تعقّد أحياناً العلاقات بين المجتمعات الأمريكية.

في الفترة المخصّصة للأسئلة والأجوبة، قال أحد الحاضرين إن الحملة لا تزال في مرحلتها الخطابية التي تختلف عن الحكم الفعلي، وإن ترامب يسعى لمنافسة “المحافظين الجدد” وآل كلينتون، وهو المرشّح الوحيد الذي أدار ظهره للوبي اليهودي. وفي جوابه، ذكر هوداك أن بعض المرشّحين تجاوزوا مرحلة الخطابة، ويمكن اعتبار روبيو من “المحافظين الجدد” بينما كروز محافظ دستوري. وقال إن الأشخاص الذين يتقبّلون ترامب هم الأكثر تطرّفاً وجنوناً، لكنه في موقع فريد يؤهّله لوضع سياسات جديدة نظراً لثروته واستقلاله السياسي.

وردّاً على السؤال الأخير، قال هوداك إن نجاح ترامب، رغم افتقاره للحنكة السياسية وأخطائه الكثيرة ووقاحته، “يجعلنا نرمي الكثير مما نعرفه من النافذة”، لكنه “منطقي جداً”. إذ يستعرض سياسات بارعة من خلال التركيز على المشاكل الحقيقية التي تعاني منها شرائح معينة من الأمريكيين، ويضيء على المشاكل المهمّة التي تعني معظم الناس.