May

31
2016

2:00 am +04 - 3:30 am +04

طرق محفوفة بالمخاطر: عبور الطاقة في الشرق الأوسط

Tuesday, May 31, 2016

2:00 am - 3:30 am +04

فندق فور سيزونز الدوحة، قطر


نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة في 30 مايو 2016 حول أمن صادرات الطاقة وعبورها من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. شارك في الندوة روبن ميلز، زميل غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة، والعقيد جوزيبي مورابيتو، مدير كلية الشرق الأوسط التابعة لكلية دفاع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وأدارها سلطان بركات، زميل أول ومدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة. حضر الندوة شخصيات دبلوماسية وأكاديمية وإعلامية في دولة قطر.

استهلّ بركات الجلسة قائلاً إنّ حالة عدم الاستقرار المهيمنة حالياً على منطقة الشرق الأوسط تثير مخاوف بشأن أمن الطاقة داخل المنطقة وبين مستهلكي الطاقة في أوروبا والولايات المتحدة والهند والصين وبلدان أخرى على حدّ سواء. تطال منشآت الطاقة تهديدات أمنية من جميع المستويات، بدءاً من الاعتداءات الفردية وأعمال التخريب والأعمال الإرهابية وصولاً إلى حروب وصراعات إقليمية كبرى. لقد شهدنا مساحات كبيرة من الأراضي تحت سيطرة جهات فاعلة غير حكومية في حين تحاول الدول حماية أراضيها. صحيح أنّ منطقة الشرق الأوسط تضم بعض أهمّ نقاط الاختناق لعبور الطاقة، إلا أنها أيضاً واحدة من أكثر المناطق غير المستقرة في العالم.

استهل ميلز مداخلته بالإشارة إلى المفارقات الحاصلة اليوم بين أسواق النفط وأسواق الغاز، حيث تترافق أسعار النفط والغاز العالمية المنخفضة مع مستويات عالية من التعطيلات العالمية التي تعيق نقل الطاقة. إنّ القلق بشأن أمن الطاقة قليلٌ لا سيما وأن الأسواق تولي اهتماماً أقل للمخاطر، رغم أن أمن الطاقة يواجه بعض التحديات غير المسبوقة. وأشار إلى أن هذه اللامبالاة قد تكون مقبولة للوقت الحالي نظراً لفائض مخزون الطاقة ووفرتها في السوق. ولكن حتى في السوق الحالية، قد تترك بعض التهديدات المحتملة آثاراً شديدة على إمدادات الطاقة العالمية، مهددةً اقتصاد بعض المستهلكين والمنتجين والسوق العالمية على حد سواء.

ثمّ عدد ميلز سيناريوهات مختلفة للمخاطر. على المستوى المحلي، أشار إلى خطر أعمال التخريب، حيث قد تعمد المجموعات التي تطالب بحصة أكبر من الموارد الطبيعية إلى قطع خطوط الأنابيب أو تنفيذ هجوم على محطة تصدير؛ وأعمال القرصنة، التي أشار إلى أنها قد تحدث في مناطق قبالة الشواطئ الصومالية؛ والهجمات التي قد تنفذها المجموعات الإرهابية الساعية وراء الحصول على مصادر دخلِ جديدة. أما على مستوى الدولة، فهناك خطر نشوب حرب دولية كبيرة بين الدول المصدرة الكبيرة والتي لحسن الحظ لم تندلع حتى الآن. إلا أنّ الحروب الدولية السابقة تركت آثاراً كبيرة على أمن الطاقة. أدت الحرب التي نشبت في العام 1973 بين إسرائيل ومصر إلى حظر كان السبب وراء أول أزمة نفط. وتضررت مرافق إنتاج النقط في العراق وإيران نتيجة الحرب الإيرانية – العراقية في ثمانينيات القرن الماضي والتي شملت حرب الناقلات التي دمرت ناقلات نفط كانت تمر عبر مضيق هرمز، مما أدى إلى تدخل كلّ من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي لحماية النقل.

وتابع ميلز قائلاً إنّ مضيق هرمز هو أحد نقاط الاختناق العديدة – وهي عبارة عن قنوات ضيقة على طول طرقات بحرية عالمية واسعة الاستخدام تُعتبر ضرورية جداً في مجال الطاقة. نظرا لضيقها، تعد نقاط الاختناق هذه هدفاً لتعطيلات كبيرة. ويمر عبر مضيق هرمز 17 مليون برميل يومياً (أكثر من 20 بالمئة) من صادرات النفط. كما يُعتبر الطريق الوحيد لصادرات الغاز الطبيعي المسال من قطر، وهي مصدر أساسي للغاز لغرب آسيا وأوروبا. ومن نقاط الاختناق المهمة الأخرى في المنطقة نذكر قناة السويس، أي المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، ومضيق البوسفور في تركيا. وبالتالي، فإنّ أي تعطيل للنقل في هذه المناطق الرئيسية من شأنه يترك أثراً مدمراً جداً.

أشار ميلز إلى أنه بالإضافة إلى الهجومات والحروب، يهدد خطر أوسع وأكثر انتشاراً أمن الطاقة ألا وهو الخطر المرتبط بالاستثمار. صحيح أنه بإمكان المستثمرين التعامل مع مستوى معين من الخطر في دول أمنها غير مستقر بعض الشيء كنيجيريا، إلا أنه لا يمكن التعامل بالطريقة نفسها مع كافة مستويات انعدام الأمن. في مرحلة ما، يمكن أن يصبح انعدام الأمن أمراً خطيراً جداً يعيق الاستثمار أو حتى يمنعه بشكلٍ كامل. على المدى الطويل، من شأن ذلك أن يعيق تطوير مصادر نفط وغاز جديدة واعدة.

رداً على سؤال طرحه بركات عن وجهة نظر حلف الناتو إزاء أمن الطاقة في الشرق الأوسط، قال مورابيتو إن الناتو قلق بشكلٍ خاص على إمدادات الغاز التي تؤمنها له المنطقة، لا سيما وأن معظم دول الناتو تعتمد على المنطقة للحصول عل الغاز. وقال إنّ ،رغم ذلك، سياسات حلف الناتو تفاعلية بشكلٍ رئيسي تدفعها الأحداث. لم تعطل أي أحداث كبيرة إمدادات الطاقة في السنوات الماضية، لذلك بالكاد يدرج صناع السياسة في حلف الناتو أمن الطاقة على أجندتهم. في الواقع، هناك قضايا أكثر إلحاحاً في الوقت الراهن، كالتهديد الذي تطرحه الدولة الإسلامية والتهديد الروسي المتمثل بفلاديمير بوتين.

وتابع مورابيتو قائلاً إنّه من الصعب تركيز اهتمام حلف الناتو على هذه المشكلة لأنه لا يبدو أنّ هناك مشكلة أصلاً. في الماضي، ارتفعت أسعار النفط بسبب حربٍ في لبنان الذي لا يُعتبر حتى مصدّراً للطاقة. ولكن اليوم، هناك حرب تشارك فيها المملكة العربية السعودية، التي تُعد أكبر منتجي النفط، إلا أن الأسعار آخذة في الانخفاض. إنّ الأسواق اليوم مختلفة جداً، ويعود ذلك أساساً إلى تطوير تكنولوجيات الصخر الزيتي.

رغم ذلك، أشار مورابيتو إلى أنه يعتقد أن حلف الناتو، أو بعض الدول الأعضاء، قد تدخلت لحماية مصالحها ذات الصلة بالطاقة من خلال تدريب مجموعات كالأكراد في العراق أو من خلال دفع الأموال لقبائل في الجزائر من أجل حماية خطوط الأنابيب المتجهة إلى أوروبا. وأضاف أن حماية أنابيب النفط مكلفٌ جداً. فحماية خط أنابيب بطول 1000 كلم يتطلب وجود ما لا يقل عن جنديين كلّ 50 متر، ولا بدّ من استخدام جنديين آخرين على الأقل للتناوب على الحراسة. وحتى عندها، فإن هجوماً ينفذه 50 مسلّحاً قد يؤدي إلى دمار خط الأنابيب هذا. إن هذه التكلفة العالية جعلت التنسيق مع المجموعات محلية أمراً غايةً في الأهمية لو أُريد الحفاظ على أمن هذه الخطوط.

من جهته، قال ميلز إنّ الدول الأوروبية باتت أقل تعرضاً لخطر تعطيل الإمدادات التي سببتها على مرّ التاريخ صراعاتها مع روسيا. ويُعزى ذلك حسب ما قال إلى تدخل الاتحاد الأوروبي للتخفيف من نقاط الضعف هذه. وأشار إلى أنه بالإضافة إلى التدخلات المؤسساتية، يُعتبر تطور البنى التحتية وقوى السوق أساسية للتخفيف من المخاطر التي تهدد عبور الطاقة. وفي ما يتعلق بالبنية التحتية، يمكن تطوير خطوط الأنابيب لتتجنّب نقاط الاختناق، وبناء مرافق للتخزين الاستراتيجي لتأمين مخزون الطوارئ من النفط والغاز للدول، وفي حالات نادرة يمكن استخدام القدرة الاحتياطية لتعويض النقص في الإمدادات. بالإضافة إلى ذلك، غالباً ما ثبُت أن نتائج عكسية قد ترتّبت على إجراءات الحكومة لفرض رقابة على الأسعار والترشيد و وحظر التصدير. من المهم السماح للسوق أن يصحح نفسه بحرية، رغم أنه يمكن مساعدة آليات السوق من خلال جمع بيانات أفضل.

وبعدها، طُرح العديد من الأسئلة تطرّقت إلى إذا ما كانت هناك حقاً أي تهديدات حقيقية لمضيق هرمز، والدور الذي يمكن أن تلعبه الشراكات المتعددة الجنسيات في تأمين أمن الطاقة، وتهديدات نقل الطاقة الآتية من خارج منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. اختتم بركات الجلسة موجّهاً الشكر إلى الضيوف ومشيراً إلى أن أمن الطاقة هو سبب آخر يستوجب على المنطقة العمل على حل خلافاتها ووضع حد للحروب والمنافسات الإقليمية.