February

28
2013

1:00 am EST - 2:30 am EST

الإسلام والعلمانية في العالم العربي: دروس مستفادة من تركيا

Thursday, February 28, 2013

1:00 am - 2:30 am EST

مركز بروكنجز الدوحة، الدوحة، قطر



في الثامن والعشرين من فبراير 2013، استضاف مركز بروكنجز الدوحة ندوة تركزت حول العلاقة بين الإسلام والدولة في العالم العربي وفكرة “النموذج التركي” للتوفيق بين الإسلام والعلمانية. خلال الندوة، عرض أحمد كورو زميل زائر في مركز بروكنجز الدوحة بيانًا سياسيًا موجزًا نُشر له مؤخرًا بعنوان “سياسة ذات مرجعية دينية بدون دولة إسلامية: هل يمكن أن يكون حزب العدالة والتنمية التركي نموذجاً للإسلاميين العرب؟” وقد شاركه بالمناقشة هشام هيلير زميل غير مقيم في برنامج العلاقة الأمريكية بالعالم الإسلامي بمعهد بروكنجز. أدار الندوة مدير الأبحاث في مركز بروكنجز الدوحة شادي حميد وحضرها لفيف من أعضاء الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية والإعلامية وقطاع الأعمال في قطر.

بدأ أحمد كورو عرضه بالتمييز بين ما أطلق عليه “العلمانية الإقصائية” — سواءً تلك التي تمارسها فرنسا أو مورست أثناء حكم مصطفى كمال أتاتورك في تركيا — و”العلمانية السلبية” التي يتبناها حزب العدالة والتنمية التركي حاليًا. وفي حين أن العلمانية الإقصائية تسعى بحماس إلى استبعاد الدين من الحياة العامة، فإن العلمانية السلبية تشجع تكييف الرؤية العامة للدين. وقد ذهب كورو إلى الاعتقاد بأن “نموذج حزب العدالة والتنمية” التركي والذي يتسم بانتقال الحزب من الإسلام السياسي إلى العلمانية السلبية وتحول المؤسسات العامة في الوقت ذاته من العلمانية الإقصائية إلى العلمانية السلبية، وهذا سيقدم اليوم للإسلاميين العرب دروسًا مهمة وقابلة للتطبيق.

وقد شدد كورو على أن هذا النموذج يجب ألا يُنظر إليه باعتباره برنامج عمل مثاليًا يُفرض عليهم من الخارج. فمن الممكن أن تتناسب جوانب معينة من “النموذج” مع أحزاب عربية أكثر من غيرها، ويمكن أن يحدث تبادل الأفكار المرتبطة به بطريقة طبيعية خلال مجموعة متنوعة من القنوات. وقد أضاف كورو أن نموذج حزب العدالة والتنمية التركي نفسه لا يخلو من العيوب؛ ويتعين على الإسلاميين العرب أن يسعوا للاستفادة من إخفاقاته كما الاستفادة من نجاحاته.

وأوضح كورو أنه في الوقت الحالي، يجد العالم العربي نفسه في منطقة وسط بين العلمانية السلبية التركية و”النموذج الإيراني شبه الديني وشبه الجمهوري”. ففي حين تبدو تونس على استعداد لتبني دستور لا تتصل مرجعيته بالشريعة ولا بالعلمانية، خطت مصر خطوة في الاتجاه الإيراني بمنح الأزهر دورًا دستوريًا في تفسير الشريعة الإسلامية. ويرى كورو أنه بالتحرك نحو النموذج التركي، فإن الدول العربية “سوف تتيح تطبيق فهم متنوع للشريعة من القاعدة إلى القمة، وليس من القمة إلى القاعدة”.

أما الركن الثاني من أركان “نموذج حزب العدالة والتنمية” التركي فهو يتصل بقدرة الحزب على إدارة دفة “السياسة ذات المرجعية الدينية” — سياسات تعكس القيم الإسلامية— دون السعي لتأسيس دولة إسلامية. وقال كورو إن الكثير من اللاعبين الإسلاميين في تركيا يرون أن الدولة “ذات المرجعية االدينية” هي عائق بالفعل أمام تطبيق القيم الإسلامية. وغالبًا ما تؤدي الشرعية الدينية المتصورة لهذه الدول إلى جعلها أقل محاسبة ومساءلة أمام الناس. وعلاوة على ذلك، يعتقد هؤلاء النقاد أن الدول “الإسلامية” غالبًا ما تركز على جوانب شكلية من الشريعة وليس نشر الجوهر الحقيقي للأخلاقيات الإسلامية.

وأخيرًا، تقدم براجماتية حزب العدالة والتنمية — والمتمثلة في نهجها التدريجي في تفعيل التغيير أو قدرتها على تحقيق التوازن بين أجندات السياسة الخارجية المتعارضة — مزيدًا من الدروس المهمة بالنسبة للإسلاميين العرب. وتحديدًا، رأى كورو أن الإسلاميين الذين يحكمون في الدول العربية سوف يجدون هذا النوع من المرونة الذي يعد ضروريًا في مساعيهم لإقامة علاقات فعالة مع الحكومات الغربية التي يعتمدون عليها في الدعم الاقتصادي وغيره من صور الدعم.

ومما لا شك فيه أن تحول حزب العدالة والتنمية تحقق نتيجة لقيود ومحفزات معينة — من الجيش والمجتمع التركي والغرب — قد لا تكون موجودة بنفس الطريقة في الحالات العربية. لكن كورو أشار إلى أن التأثيرات المؤسساتية والمجتمعية الأخرى يمكن أن تحفز بشكل جيد على تبني علمانية سلبية في العالم العربي. وهذا يمكن أن يشمل التأثير القوي للمؤسسات الأمنية المعادية للإسلاميين أو وجود سكان مسيحيين في دول مثل مصر.

وبدأ هشام هيلير حديثه بالتأكيد على أن ملائمة النموذج التركي في العالم العربي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بفكرة الحكم الذاتي والذي كان في بؤرة الثورات في دول مثل مصر. وفي هذا الصدد، أشار هيلير إلى أن النجاح المحلي الذي حققته تركيا في بناء اقتصادها — أكثر من النهج الذي يسلكه حزب العدالة والتنمية في التعامل مع الدين — هو ما جذب الإسلاميين العرب في البداية. ومن ثم فإنه ليس من المستغرب أن يرفض العرب الذين ينصب تركيزهم على بناء مستقبلهم فكرة نموذج خارجي يُفرض عليهم.

وقال هيلير إنه في العالم العربي اليوم، لم تقوَ بعد شوكة “تشكيل أيديولوجي ما بعد الثورة”. وأشار إلى أن النموذج الذي قد يخرج إلى النور سوف يتشابه كثيرًا مع “العلمانية الوسطية المعتدلة” التي يتبناها حزب العدالة والتنمية والأرجح أن النموذج الجديد لن يكون “مدينًا بالكثير لنهج جماعة الأخوان المسلمين في التعامل مع الرؤية السياسية السلفية”. وتوقع هيلير أن ليبيا وسوريا — اللتين يتمتع فيهما القادة الإسلاميون المتدينون خارج نطاق الإسلام السياسي بتأثير كبير — ربما تكونان أول دولتين يظهر لديهما هذا النموذج.

ووافق هيلير رأي كورو بشأن مزايا العلمانية المعتدلة التي ترعاها الدولة في دول يتعمق فيها المعتقد الديني. لكنه في حين رأى كورو أن دور الدولة في تحديد القانون الديني بمثابة ضربة قوية للديمقراطية، أشار هيلير إلى أن هذا الدور يمكن أن يكون نافعًا. وذهب هيلير إلى الاعتقاد أنه في العالم الإسلامي المعاصر، هناك “أزمة سلطة دينية” يزودها جزئيًا بالزخم تزايد عدد الدعاة (كما الحال في تونس ومصر) الذين “يشعرون بأن لديهم الحق في إصدار الفتاوى” وتوقع انصياع الناس لها”. وتأسيس “آلية ضمان جودة” في صورة دور تقوم به مؤسسات كالأزهر الشريف قد لا يكون تطورًا سلبيًا، طالما أن الدور يظل بنَّاءً وليس قسريًا.

وانضم هيلير إلى كورو في تحذيره من فكرة “الدولة الإسلامية”. فقد سعى إلى تفكيك المصطلح، قائلًا إنه عند تبني هدف إقامة “دولة إسلامية”، غالبًا ما أخفقت حركات الإسلام السياسي في الاعتراف بأن الدولة نفسها هي بناء حديث. وأصر هيلير على أن فكرة “الدولة الإسلامية” ما بعد الحديثة التي يجب إحياؤها نوع من المغالطة، وأنها فكرة مهملة بشدة من قبل الإسلاميين اليوم. كما أنه شكك في ادعاء الإسلاميين بأحقيتهم في احتكار مسألة تفسير الإسلام. وأوضح أن “الإسلاموية” ليست مجرد “إسلام سياسي” لكنها نوع من التزاوج بين “نهج إصلاحي معين في التعامل مع الإسلام” والسياسة. وبيَّن أن المؤسسات الدينية في العديد من الدول الإسلامية “يفند حق حركات الإسلام السياسي في التحدث باسم الدين”. وتساءل هيلير عما إذا كان الإسلاميون العرب سوف يتبنون نموذج حزب العدالة والتنمية، آخذًا في الاعتبار الفروق المهمة الموجودة “ليس فقط في تاريخهم السياسي وإنما في مناهجهم الدينية كذلك”.

وعقب عرضيهما، طرح شادي حميد أسئلة على كلا المتحدثين تتمحور حول إمكانية تطبيق نموذج حزب العدالة والتنمية في المجتمعات العربية التي، على العكس من تركيا، غالبًا ما تُظهر دعمًا قويًا لتطبيق الشريعة. ربما ترغب بالفعل دول مثل مصر في تطبيق الشريعة — إذ إنه طبقًا لاستفتاء بيو لعام 2010، عبر عدد كبير وصل إلى 82% من المشاركين في الاستفتاء عن دعمهم لرجم الزناة كما أبدى حوالي 77% من المشاركين رغبتهم في قطع يد السارق.

وأجاب كورو قائلًا إن الوضع في مصر وتونس على مدار الشهور الأربعة الأخيرة قد أظهرت أن إستراتيجية الإسلاميين في الولاء فقط لتوجهاتهم يمكن أن تؤدي إلى نتائج عكسية. وقد أثبتت حالة عدم الاستقرار في مصر أن “هناك حاجة واضحة لخطاب أكثر توازنًا”. وعلاوة على ذلك أكد كورو أنه بالتشجيع على مزيد من التنوع في تفسير الشريعة، يمكن أن تنجح جماعة الأخوان المسلمين في التميز إيجابيًا عن منافسيها السلفيين.

وفي هذه الأثناء، أشار هيلير إلى أنه عند قراءة هذه الأنواع من الاستفتاءات، هناك حاجة إلى التمييز بين التدين والعلم بالدين. وقال إنه في حين أن مصر تعد “أكثر الدول تدينًا في العالم”، فإن مستوى العلم بالدين لدى الشعب المصري “منخفض بشكل مذهل”. فحينما تتعلق الأسئلة بالهوية الدينية، يجيب معظم هؤلاء بشكل حاسم. بيْد أن هذا ليس معناه أنهم ينظرون إلى الدين باعتباره من الأولويات السياسية. فدائمًا ما يُستشهد “بالتضخم والبطالة والغياب الأمني” باعتبار هذه الأمور تمثل الأولويات القصوى لمؤيدي كافة الأحزاب السياسية البارزة في حين أن الشريعة “لم يكن لها حضور بارز”.