May

24
2016

3:00 am +04 - 4:30 am +04

الأراضي المقدسة: إحياء التعددية في الشرق الأوسط

Tuesday, May 24, 2016

3:00 am - 4:30 am +04

فندق انتركونتيننتال الدوحة

بجانب فندق سانت ريجيس
الدوحة

نظّم مركز بروكنجز الدوحة ندوة في 23 مايو 2016 بحثت التعددية الدينية في الشرق الأوسط. شارك في الندوة نيكولاس بيلهام، مراسل مجلة ذي إيكونوميست لشؤون الشرق الأوسط، لمناقشة كتابه الجديد بعنوان: “Holy Lands: Reviving Religious Pluralism in the Middle East”. وانضم إليه عبد الوهاب الأفندي، مدير برنامج العلوم السياسية والعلاقات الدولية في معهد الدوحة. أدار الجلسة إبراهيم فريحات، زميل أول في قسم السياسة الخارجية في معهد بروكنجز. حضر الندوة شخصيات دبلوماسية وأكاديمية وإعلامية في دولة قطر.

افتتح فريحات الجلسة مشيراً إلى كيف أنّ التعددية الدينية في الشرق الأوسط قد تراجعت بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. وبالتالي، أدى صعود الدولة القومية في منطقة الشرق الأوسط إلى خلق نظام أصبحت فيه الأرض هي الهوية المشتركة التي وحّدت الشعب. بدأت الهويات القومية تبرز في تلك الفترة، بيد أنّ الهويات الدينية أعطت كذلك وسيلة لسكان منطقة الشرق الأوسط إذ أصبحوا أكثر تجانساً في القرن العشرين.

قال بيلهام إنه استوحى فكرة كتابة Holy Lands (الأراضي المقدسة) خلال السنوات التي سبقت الربيع العربي، حين كان من الممكن العثور على أماكن العبادة المسيحية والمسلمة واليهودية على مقربة من بعضها البعض، مشيراً إلى أنه في بعض الحالات، كان الناس من هذه الديانات الثلاثة يتقاسمون أحياناً أماكن العبادة نفسها. لاحظ بيلهام، في خضم الفوضى التي أعقبت الربيع العربي، أنّ الحياة الدينية في الشرق الأوسط قد تآكلت، الأمر الذي ضرب عرض الحائط مفهوم المجتمع والشمولية والتسامح. بالإضافة إلى ذلك، أشار إلى أن المنطقة كانت تتبنى هذه القيم في الماضي، وتجلّى ذلك في تواجد العديد من الطوائف فيها نتيجة لفرار الناس من الاضطهاد الديني في أوروبا خلال العصور الوسطى. وجدت هذه المجموعات بيتاً آمناً تحت النظام العثماني الذي وفّر الحماية لكافة الطوائف الدينية.

طوال الفترة التي راقب خلالها بيلهام حالة التعددية الدينية الحالية غير المشجّعة في الشرق الأوسط، قدّم أمثلة بعثت بعض الأمل في أن التسامح يمكن أن يعود إلى المنطقة. ففي محافظة النجف العراقية، نظّم عدد من رجال الدين الشيعة معرضاً للكتاب عُرضت فيه كتب حول مجموعة واسعة من المواضيع. وجد بيلهام كتباً من تأليف كارل ماركس وإيمانويل كانط وباروخ سبينوزا. صحيح أنّ رجال الدين الشيعة مارسوا بعض الرقابة على الكتب، إلا أنّ نادراً ما وجد بيلهام إدانة كتب أو منع بيعها لأنها تتضمّن قيماً تتناقض والقيم الإسلام. وبطبيعة الحال، وجد بعض الناشرين في معرض الكتاب أنفسهم مضطرين لإخفاء بعض الكتب من رجال الدين المارين، إلا أنهم سرعان ما أعادوها فور خروج رجال الدين أولئك من المعرض. ويقول بيلهام إنّ ذلك يمثّل روح التسامح في معرض الكتاب، إلا أنه لا يشكّل بالضرورة قبول هذه الكتب في بيئة إسلامية.

أشاد الأفندي ببيلهام لإجرائه هذا المشروع البحثي الشامل، مشيراً إلى أنّ المؤلّف قد سافر إلى العديد من الأماكن عبر أنحاء المنطقة بهدف بناء حجة ثاقبة حول التعددية الدينية في الشرق الأوسط. ووافق الأفندي على توصيف بيلهام للإمبراطورية العثمانية، مشيراً إلى أنها كانت بمثابة “فسيفساء من التعددية”. لكنه حمّل الاستعمار والنفوذ الأوروبيين مسؤولية التصدعات في نسيج المنطقة الديني. وأضاف الأفندي أنّ هذا التأثير الخارجي مستمرٌ في تفتيت المجتمعات في الشرق الأوسط وأنّ إدخال القومية، الذي حدث جزئياً بسبب النفوذ الأجنبي، قد شكّل طبيعة المنطقة الطائفية.

رغم دعم الأفندي لوجود التعددية تحت الحكم العثماني، إلا أنه عبّر عن زعم بعض الخبراء بأنّ العثمانيين لم يعززوا هذا المستوى العالي من التسامح الذي يتحدّث عنه بيلهام. انتشرت حالات التحول إلى الإسلام بالقوة بشكلٍ خاص في منطقة البلقان خلال الحكم العثماني من خلال نظام الإنكشارية. صحيح أنّ نظام الحكم العثماني لم يقدّم لرعاياه التطبيق الأمثل للتعددية، إلا أنه وضع فعلاً إطاراً لذلك، ولا بد للمنطقة أن تستخدم الآن هذا الإطار بغية تعزيز قيم الشمولية والتسامح.

وبعد ذلك، تحول النقاش لاستعراض اتفاق الطائف. ويرى بيلهام أنّ روح هذا الاتفاق من شانه أن يعزز التعددية في المنطقة. في هذا الصدد، أشار فريحات إلى أنّ اتفاق الطائف قد وضع بالفعل نهاية للأعمال العدائية في لبنان، إلا أنّه وضع أمراء حرب سابقين في مناصب السلطة. ورغم أن الاتفاق قد جلب السلام إلى لبنان على المدى القصير، إلا أنّ البلاد لا تزال تعاني حالة هشاشة دائمة، بسبب سيطرة الميليشيات ومحاوريهم على الحكومة.

لاحظ بيلهام أن اتفاق الطائف كان ناجحاً في بعض النواحي. فقد حافظ على السلام في دولة غير مستقرة عرفت تزايداً كبيراً في عدد سكانها بسبب دخول اللاجئين من الدول المجاورة. سعى اتفاق الطائف إلى إعادة إحياء شكل من أشكال نظام الملة من خلال تقسيم السلطة في البلاد طائفياً. يقول بيلهام إنّ المشكلة الأساسية في اتفاق الطائف تمكن في غياب سلطة جامعة لمراقبة الملل. افترض الاتفاق خطأً أن الطوائف ستتعاون وتعمل سويةً لحكم البلاد، ولكن في الحقيقة تنافست الملل من أجل السلطة الأمر الذي أدى إلى انشقاق الصفوف. أظهرت كل طائفة حصتها من خلال المحافظة على النظام من أجل ملتها الخاصة، وليس من أجل المحافظة على لبنان كدولة فاعلة.

وفي محاولو لتسليط الضوء على نقاط الجلسة الأساسية، طلب فريحات من بيلهام إظهار الفرق بين مختلف أنماط الحكم بين نظام الملة في عهد العثمانيين و”الملل” الفردية الموجودة حالياً في الشرق الأوسط. يعتقد بيلهام أن الفارق الأساسي بين نظام الملة العثماني وأسلوب حكم الطوائف اليوم يكمن في أن حكم العثمانيين كان يعتمد على نظام عالمي. أكّد بيلهام أن العثمانيين ركّزوا على المحافظة على شعور الجماعة بين الشعب. بالنسبة لبيلهام، كانت هذه “مجتمعات مقدسة وليس أراضٍ مقدسة”. إن المشكلة في أسلوب حكم الطوائف اليوم هي في كونها لا تعامل المجتمعات كجزء لا يتجزأ من الحكم الفعلي. خلص بيلهام قائلاً إن الطوائف اليوم تهتم أكثر في الواقع “لأجزاء معيّنة من الأرض” ولكيفية حكمها لهذه الأجزاء.