Commentary

الاعتراف بالمستوطنات الإسرائيلية مسألة سيادة، وهذا يغيّر الأمور

U.S. Secretary of State Mike Pompeo and Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu attend a meeting in Jerusalem, Friday, October 18, 2019. Sebastian Scheiner/Pool via REUTERS *** Local Caption *** - RC15280D3A20

عندما أعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عن تغيير رسمي في السياسة الأمريكية حيال المستوطنات الإسرائيلية في الضفّة الغربية، قائلاً إنّ الولايات المتّحدة لم تعد تعتبرها “انتهاكاً ومخالفة للقانون الدولي”، لم يكن واضحاً ما إذا فكّر، هو أو أيّ شخص آخر خلف هذه السياسة، في كامل تداعيتها.

فإن دعمت إدارة ترامب عملية الضمّ، وهذا موقف يتماشى مع الاعتراف بشرعية المستوطنات، فهذا يغيّر إطار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وستصبح مسائل السيادة والحقوق السياسية في الواجهة.

مسألة القانون

لا شكّ في أنّ التغيير في التوجّه السياسي يتماشى مع سلوك إدارة ترامب في السنوات الثلاثة الماضية إزاء الوضع الإسرائيلي الفلسطيني، ويشمل ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها ودعم عملية الضمّ الإسرائيلية في العام 1981 لمرتفعات الجولان وتطبيق عدّة إجراءات عقابية على الفلسطينيين، في ما يشكّل تحقيقاً لسلسلة من الأماني التي يحلم بها اليمينيون المؤّيدون لإقامة دولة إسرائيل الكبرى.

وفيما يبدو أنّ هدف هذا الإعلان سطحياً هو حذف النقطة المرجعية القانونية حول المستوطنات، ولا سيّما في ما يخصّ المفاوضات العتيدة، من المرجّح أكثر أنّه في غياب أيّ عملية سلام الغايةُ هي التحضير لدعم الضمّ الإسرائيلي للمستوطنات، وهو ما وعد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو. بيد أنّ التعقيدات تتخطّى هذا الأمر. وبشكل خاص، إن لم تعد الولايات المتّحدة ترى المستوطنات غير شرعية بحسب القانون الدولي، فقد يستنتج المرء أنّها ترى المستوطنات شرعية لا بل تخضع للسيادة الإسرائيلية حتّى. ولهذا الأمر معنى يتخطّى المستوطنات بحدّ ذاتها.

منذ صدور الإعلان، اقتصر اهتمام معظم المراقبين ومخاوفهم حول التداعيات على القانون الدولي عموماً وعلى حلّ الدولتَين خصوصاً. ومع أنّ كليهما عاملان مهمّان، ليس لأيّ منهما الأثر العميق في الصراع بالقدر الذي تتّسم به مسألة السيادة.

إنّ الموقف الأمريكي الجديد إزاء المستوطنات بدون شكّ يقوّض القانون الدولي، الذي هو واضح حول عدم الشرعية في نقل قوّة احتلال لشعبها إلى أراضٍ محتلّة. وحظي انطباق هذا المبدأ من اتفاقية جنيف الرابعة على الوضع الإسرائيلي الفلسطيني بإجماع دولي شبه كامل منذ بداية الاحتلال في العام 1967، بما في ذلك مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية.

وعلى الرغم من محاولة بومبيو غير الحماسية لحصر نطاق التغيير في التوجّه السياسي بإسرائيل وحدها، وبما أنّ المستوطنات الإسرائيلية استمرّت في مخالفة القانون الدولي لعقود، سيكون لهذا القرار تداعياتٌ واسعة على الأرجح. فلا يمكن تطبيق القوانين انتقائياً وعشوائياً من دون تقويض نظام القانون برمّته. ومع أنّ القانون الدولي ليس مدعوماً بآلية تطبيق ملموسة، بين عدم تطبيق القانون وتفسيره كما يراه المرء مناسباً فرقٌ كبير، ولا سيما في وقت ستعمل فيه روسيا على تبرير سيطرتها على القرم والهند على كشمير وإلى ما هنالك.

مع ذلك، لا يغيّر رأي دولة واحدة القانون بحدّ ذاته، حتّى لو كانت الدولة الأقوى في العالم. فكما ردّ روبرت كولفيل، المتحدّث باسم مفوّضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، على إعلان إدارة ترامب، “لا يعدّل تغيير في سياسة دولة واحدة القانونَ الدولي القائم ولا يغيّر تفسير محكمة العدل الدولية والأمم المتحدة له”.

وإن استمرّ باقي العالم بالالتزام بمبدأ عدم شرعية المستوطنات، فمن شأن القرار أن يقوّض الموقف والقيادة الأمريكيين على الأرجح أكثر من اتفاقية جنيف والقانون بحدّ ذاتهما.

مسألة حلّ الدولتين

تترّكز المخاوف أيضاً على حلّ الدولتَين، ولا سيّما في صفوف المؤسّسة السياسية للحزب الديمقراطي، التي ردّت على إعلان بومبيو عبر صبّ جام غضبها على إدارة ترامب لتقليلها أكثر فأكثر من فرصة التقسيم. لكنّ فرصَ فصل الأرض إلى دولتَين تقوّضت بشكل كبير في خلال فترات حكم الحزبين الديمقراطي والجمهوري كليهما لدرجة أنّ حلّ الدولتين لم يعد ممكناً ربّما.

وفيما تُعتبر المستوطنات بلا شكّ العائق المادّي الأكبر لتأسيس دولة فلسطينية، بالكاد يغيّر قرار ترامب شيئاً في هذا الخصوص. فلطالما تقاعست الولايات المتحدة عن التصرّف حيال المستوطنات بغية حماية احتمالات تأسيس دولة فلسطينية. وحتّى في ذروة عملية السلام في التسعينيات، سمحت إدارة كلينتون بالاستمرار ببناء المستوطنات لدرجة أنّ عدد المستوطنين ازداد ثلاثة أضعاف على الرغم من المفاوضات الجارية. ومع أنّ عدّة إدارات أمريكية، على غرار إدارة جورج دبليو بوش وباراك أوباما، قاومت بناء المستوطنات، لم تدُم جهودها واستمرّ بناء المستوطنات في نهاية الأمر.

بالفعل، لا أهمّية لاعتراف ترامب بهذه المستوطنات بقدر السماح لإسرائيل ببنائها على مدى 52 سنة. كذلك، ما برحت الولايات المتحدة تقدّم مساعدات لإسرائيل بقيمة تفوق ثلاثة مليارات دولار سنوياً، فضلاً عن دعم عسكري ودبلوماسي مستمرّ، بما في ذلك حمايتها من العقوبات الرسمية حيال المستوطنات في الأمم المتحدة (والاستثناء في ذلك كان قليل الأهمّية ومتأخراً برأيي، ويتمثّل ذلك بامتناع إدارة أوباما عن التصويت على قرار مجلس الأمن رقم 2334 في ديسمبر 2016). وسمحت الولايات المتّحدة أيضاً لمواطنيها بمنح تبرّعات غير خاضعة للضريبة للمؤسسات الخيرية والمنظّمات التي تدعم المستوطنات. بالتالي، قد تكون إدارة ترامب قد خطت خطوة إضافية، لكنها لا تشكّل ابتعاداً جذرياً عن توجّه الإدارات الأمريكية السابقة على ما يبدو.

مسألة السيادة

بيد أنّ الذي تَغيّر بشكل كبير هو ما يعنيه الاعتراف بالمستوطنات لوضع الأراضي والحكومة التي تديرها. ففيما لا تُغيّر السياسة الأمريكية الجديدة الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية، رحّب رئيس الوزراء الإسرائيلي بالتغيير وقال إنّه “يعكس حقيقة تاريخية، وهي أنّ اليهود ليسوا مستعمِرين أجانب” في الضفّة الغربية. لكن إن لم تكن المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية وكان الإسرائيليون قادرون على استيطان الأراضي شرعياً تحت سيطرة سياسة وعسكرية إسرائيلية، فماذا يعني ذلك للفلسطينيين الفاقدي الجنسية الذين يعيشون هناك ولسيطرة إسرائيل عليهم لمدة 52 سنة؟ بعبارة أخرى، إن لم يكن الوضع احتلالاً عسكرياً، وهذا يحظّر بدون شكّ نوع الاستيطان الذي تنخرط إسرائيل فيه، فالوضع أمرٌ آخر، وينبغي على العالم أن يطالب إسرائيل بتوضيح موقفها ونواياها حيال الأراضي.

وحالة النسيان والضياع التي خلّفها الاحتلال المستمرّ هي جزئياً ما فرض على الفلسطينيين البقاء في مطهر سياسي، بدون دولة تخصّهم وبدون جنسية في أيّ دولة أخرى أيضاً. وهذا ما يفرّق الفلسطينيين عن الكثير من المجموعات الإثنية الأخرى التي تعيش كأقليّات في دول وطنية إثنية لا تخصّها. فالأكراد مثلاً لا دولة لهم لكنّهم على الأقلّ مواطنون في تركيا وسوريا والعراق وإيران وغيرها من الدول.

وسمح هذا الغموض أيضاً لإسرائيل بأن تستولي تدريجياً على الأرض من خلال عملية استعمارية تحت غطاء احتلال مؤقّت، من دون الاضطرار إلى تقديم حقوق سياسية إلى قاطنين الأرض الأصليين الذي يعيشون جنباً إلى جنب مع المستوطنين. لكن إن كانت إسرائيل السيادةَ المعترف بها، فلا يمكنها إذاً أن تستولي قانوناً على الأراضي من دون كلّ سكّان هذه الأراضي. فإن كانت لا تريد الفلسطينيين، تبرز الحاجة إذاً إلى الأراضي اللازمة لإنشاء كيان سياسي بديل وصالح لهم ليمارسوا فيها حقوقهم. لا يمكن أن تحظى إسرائيل بالخيارين معاً.

والأراضي المُتصوّرة لإنشاء دولة فلسطينية، أي الضفة الغربية وقطاع غزّة، ستكون أصلاً دولة مصغّرة ستعاني لدعم العشب الفلسطيني بأسره. مع ذلك، استمرّت إسرائيل بقضم مُمنهج لهذه الأراضي، فقضت في هذه العملية على إمكانية إنشاء دولتين.

ويعيد هذا الأمر وضع عبء استيفاء الحقوق السياسية للفلسطينيين على كاهل إسرائيل. طبعاً تشكّل الرغبة الفلسطينية في تقرير مصيرهم في دولة مستقلّة عاملاً أيضاً، وينبغي أخذ العنصر الفلسطيني في الموضوع. لكن يبدو أنّ هذا الأمر يتغيّر مع تضاؤل الإمكانية في تأسيس دولة فلسطينية أكثر فأكثر. وفيما لا تزال القيادة السياسية الفلسطينية تناصر حلّ الدولتين بالكامل، تحوّلت أكثرية الرأي العام بعيداً عنه. ويمكن أن يسبّب ذلك تغييراً كبيراً، ولا سيّما أنّ الحكومة بقيادة نتانياهو في إسرائيل تبدو مستعدّة لضمّ المستوطنات، في أدنى المستويات.

Authors