Commentary

هل سيبقى التنافس قائماً بين داعش والقاعدة؟

 لقي أكثر من 80 شخصاً، وربما يصل العدد إلى 120، حتفهم مؤخراً في هجمات شنها تنظيم داعش في مناطق يسيطر عليها النظام بالقرب من القواعد الروسية في سوريا. وتُظهر التقارير التي نشرت في وقت سابق من شهر مايو أن داعش تمكنت من تدمير طائرات عمودية روسية تعمل انطلاقاً من قاعدة في وسط سوريا. إلا أنّ روسيا والنظام السوري ليسا خصمي داعش الوحيدين. إنّ التنظيم منخرط في صراع مميت مع تنظيم القاعدة في سوريا وفي أماكن أخرى في العالم المسلم. وتعتبر القاعدة التهديد الذي تطرحه الدولة الإسلامية الصاعدة بالغ الخطورة وجدي، كما وأن موقف القاعدة في مسقط رأسها باكستان ضعيف جداً – حتى أنه يُقال إنها تقوم بنقل كبار قادتها إلى سوريا، وتدرس خيار تقليد الدولة الإسلامية عن طريق تأسيس إمارتها الخاصة هناك.

إنّ فهم أهمية هذا التنافس بين المجموعتين الجهاديتين ومداه وأمده هو أمر أساسي لجهود مكافحة الإرهاب في المستقبل؛ فبقدر ما هاتان المجموعتان خطيرتين بشكل منفصل، فإن من المرعب التفكير بما يمكن أن تفعلاه لو اتحدتا. واحتمال حدوث ذلك الاتحاد ليس بعيد المنال كما يبدو الأمر.

صحيح أنّ أهداف المجموعتين مختلفة – حيث تركّز القاعدة أكثر على مهاجمة الولايات المتحدة، بينما تركّز داعش على تقوية دولتها وتوسيعها – إلا أنّ الحركة ككل تتميز بالعديد من الروابط الشخصية التي غالباً ما تقوم على التشارك في القتال في أفغانستان والعراق والجبهات الأخرى. وينظر الكثير من الأفراد المعنيين، خاصة خارج المركز الأساسي في العراق وسوريا، إلى أنفسهم على أنهم إخوة في السلاح، ولن يختاروا أحد الطرفين ، ناهيك عن أن كلا الجانبين يصلان إلى نفس مصادر التمويل والمجندين، مما يعطيهما حافزاً لاتخاذ مسارات متشابهة.

ويقول بعض أبرز الخبراء في مجال الإرهاب، مثل زميلي بروس هوفمان، إن اندماجاً بين المجموعتين ربما يكون على الطريق. ويحذر هوفمان –مُحقاً- من أنه تم إخراج تنظيم القاعدة بشكل متكرر -وخاطئ- من الحسابات في الماضي. ويؤكد أن التشابهات الأيديولوجية بين القاعدة وداعش تظل أعظم بكثير من الفروقات، بحيث ليس من المفاجئ أن يجري اعتبار إحداهما فرعاً للأخرى. ورغم أني أوافق على أن الحركتين قد تندمجان معاً عند نقطة معينة، إلا أنّ فروقاتهما تظل عميقة وتشكل تحدياً حقيقياً لأي وحدة محتملة بينهما.

لطالما ابتلت الحركة الجهادية الحديثة بالانقسامات. وربما كان الجهاديون المتنافسون وراء اغتيال عبد الله عزام، عراب حركة الأفغان العرب، في العام 1989. كما حاول جهاديون آخرون قتل أسامة بن لادن نفسه خلال الفترة التي قضاها في السودان. وظهرت القاعدة كحركة منشقة عن القضية العربية-الأفغانية الأوسع، وواجهت في كثير من الأحيان صعوبة في العمل مع نظرائها الجهاديين، ناهيك عن السيطرة عليهم.

خلال أواخر التسعينيات، وبعد هجمات 11/9، تمكنت القاعدة من توحيد العديد من فروع الحركة الجهادية الحديثة. وكان لديها في كثير من الأحيان وصول إلى تمويل كبير وسيطرت على معسكرات التدريب في باكستان وأفغانستان. وحتى المجموعات التي لم تكن تشاركها رؤيتها كانت تريد الحصول على المال وتحسين كفاءة أعضائها. ومكّنت تلك السيطرة تنظيم القاعدة من توجيه المجندين نحو عملائهم المرغوبين، بطريقة مكَّنت مجموعة ذات الفكر المتشابه داخل البلد من أن تصبح أقوى وأن تبشّر بحيث تجمعت المجموعات المختلفة معاً حول رؤية مشتركة. كما أن فلسفة بن لادن وشخصيته كانتا غير عاديتين. كان رجلاً يمتلك كاريزما، وإنما متواضعاً. ولم يكن يسعى إلى أن يتملقه المحيطون بقدر ما كان يلهم الذين حوله: مزيج مثالي لتوحيد حركة مليئة بالشخصيات القوية والمتحمسة. وبطبيعة الحال، منحت الهجمات على الولايات المتحدة المجموعة مكانة كبيرة ساهمت في استقطاب المزيد من المجندين والتمويل. وأخيراً، صنعت الولايات المتحدة بعد هجمات 11/9 حلفاً لجهود مكافحة الإرهاب، والذي قاد -على نحو مفهوم- إلى ضم العديد من فروع الحركة الجهادية المختلفة معاً، بالنظر إلى كثرة الأهداف المشتركة بينها وإلى تدريبها المشترك، بطريقة دفعت الجهاز الخارجي للمجموعة (خاصة المكونات المتواجدة في أفغانستان وباكستان) إلى الاتحاد لغاية الحفاظ على الذات.

الآن، أصبح تنظيم القاعدة نفسه يقف على الجانب الدفاعي؛ حيث تضاءل الكثير من -وإنما ليس كل- تلك العوامل. لا تزال القاعدة على الأرجح تمتلك معسكرات تدريب في منطقة باكستان/أفغانستان، لكن جهود الجيش الباكستاني وحملة الاغتيالات بالطائرات من دون طيار تجعل من هذه المعسكرات مجرد ظل لما كانت المجموعة قد أسسته في حقبة ما بعد 11/9. كذلك، تضاءل وصول القاعدة إلى التمويل والتجنيد على حد سواء. ويفتقر أيمن الظواهري إلى الكاريزما التي كان يمتلكها أسامة بن لادن وشخصيته التصالحية. وتحت قيادته، تراجعت مكانة المجموعة ككل، حيث بالكاد حققت المجموعة أي إنجازات تشغيلية في السنوات الخمسة الماضية.

وبعيداً عن هذا التراجع، يستند الانقسام إلى فروقات أساسية في الأيديولوجية والاستراتيجية. صحيحٌ أن كلتا المجموعتين تتشاركان رؤية أساسية بعيدة المدى عن عالم تحكمه الشريعة الإسلامية، إلا أنها تختلفان بشكل كبير حول الأولويات. ففي حين يمنح أبو بكر البغدادي والدولة الإسلامية الأولوية لبناء دولة، ويتجاوزان معظم الأهداف الأخرى قبل ذلك، لا يزال الظواهري يعطي الأولوية لمحاربة “العدو البعيد”، ولا يزال متردداً في مسألة إقامة دولة قبل أن تنضج الظروف، مع أن الشعبية التي تحظى بها دولة داعش تقود القاعدة إلى إعادة النظر. وفي المناطق التي تحكمها القاعدة، تعطي فروعها التابعة لها، مثل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية وجبهة النصرة، توجيهات بشأن معاملة الأقليات معاملة حسنة، على الأقل مقارنة بمعاملة داعش، ومصادقة الناس بشكل عام. في المقابل، تشدّد الدولة الإسلامية على النقاء الديني وتستخدم الرعب والإرهاب لفرض رؤيتها. هذا وتختلف القاعدة وداعش أيضاً على ما إذا كان ينبغي التركيز على الحرب ضد الشيعة، وعلى مدى التعاون مع الجماعات غير الجهادية. وأخيراً، يتبنّى البعض في الدولة الإسلامية رؤية نهاية العالم التي تنظر إليها مجموعة القاعدة بازدراء.

مع ذلك، وعلى المدى القصير، من المرجح أن الكثير من الجهاديين – خاصة أولئك غير المرتبطين بالمجموعات الراسخة التي أعلنت ولاءها لطرفٍ من الطرفين- سوف يعملون معاً أو ينتقلون من مجموعة إلى أخرى اعتماداً على أيهما أكثر هيبة. وعلى سبيل المثال، تضمن الهجوم على صحيفة شارلي أيبدو الفرنسية بشكل أساسي مسلحين مرتبطين بتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، لكن حميدي كوليبالي – الذي أعلن الولاء للدولة الإسلامية- نفذ هجمات متزامنة، وكان على اتصال بمهاجمين من المجموعة المركزية لمطلقي النار. وكان منفّذا هجوم سان بيرناردينو، كاليفورنيا، في نوفمبر الماضي قد تطرفا على يد منظر القاعدة في شبه الجزيرة العربية أنور العولقي، ثم غيرا ولاءهما بمرور الوقت فقط للدولة الإسلامية.

مع ذلك، تبدو داعش في الوقت الحالي في صعود رغم الانتكاسات الكبيرة في التجنيد التي حدثت مؤخراً. هذا ومن شأن استمرار تقاعس القاعدة عن العمل، مصحوباً بالتقدم المحتمل للدولة الإسلامية أن يتسبب بانشقاقات معيقة في صفوف القاعدة وخسارتها للتمويل. ومن شأن وفاة الظواهري، الذي ليس له خلفاً واضحاً، أن تجعل تحقق هذا التصور أكثر احتمالاً. وعلى العكس من ذلك، ربما تفضي نجاحات تحرزها فروع القاعدة، مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية وجبهة النصرة، إلى استعادة التوازن بين المجموعتين. ولو كان المستقبل يخبئ انقساماً أو وحدةً، تبقى الحركة ككل قوية – وخطيرة.