Commentary

مرسي والإسلاميون

إنّ العديد من الأمريكيين والمصريين ناقمون على الإخوان المسلمين. أما غيرهم، فيقولون بتعجرف، “لقد قلت لكم أنّ ذلك سيحدث”. فمن وجهة نظر الليبراليين الأمريكيين والعرب على حد سواء، إنّ جماعة الإخوان المسلمين تدار من قبل إسلاميين متعصّبين عازمين على فرض إرادتهم على الشعب المصري. غير أنّه وكما هي حال معظم الأشياء في الحياة السياسية، ذلك يتوقّف على ما تمّ المقارنة به. فبعد مضي أكثر من عامين على الثورات العربية، إذ بالإسلاميين يختارون بين التحرك بقوة أكثر لتنفيذ أجندتهم بدلاً من التحرّك بحذر في محاولة لتهدئة ناقديهم ومعارضيهم.

مما لا شك فيه أن الإخوان المسلمين قد تحوّلوا إلى “اليمين”. لكنّ الجدل الحقيقي داخل الجماعة هو حول ما إذا كانوا قد تحوّلوا بما يكفي. وفي حين أصبحت مصر أكثر استقطاباً من أي وقتٍ مضى، توقّفت الجماعة في الواقع عن محاولات لاجتذاب الليبراليين واليساريين، وركّزت في المقابل على رص الصفوف وحشد قاعدتها. في خلال السباق الرئاسي، اختار خيرت الشاطر مرشح الإخوان المسلمين الأساسي، مجموعة علماء من ذوي الميول السلفية لحضور أولى فعاليات حملته الانتخابية، حيث أكد أن تطبيق الشريعة هو هدفه الأول والأخير وأنه سيقوم بتشكيل لجنة من العلماء لمساعدة البرلمان في تحقيق هذا الهدف. بعد استبعاد الشاطر، شدّد محمّد مرسى – وهو مرشح أضعف وأقل إقناعاً – على رسالة الشاطر التي تنادي بالعودة إلى الأساسيات. وبحسب قول مرسي أنه حالياً المرشح الوحيد الذي يقدم مشروعاً إسلامياً واضحاً.

بعد فوزه بالرئاسة، حاول مرسي لفترة وجيزة أن يتخطى أصوله الحزبية. ولكن أحداث 4 ديسمبر المأساوية، عندما اشتبك محتجون مناهضون للإخوان مع أنصار الحكومة خارج القصر الرئاسي، جعلت هذه الجهود دون جدوى. فقد خلّف عنف تلك الليلة – والذي أثاره الإخوان عندما دعوا أنصارهم لمواجهة المتظاهرين – “”شهداء” من الجانبين. بالنسبة للكثيرين في المعارضة، كانت هذه نقطة اللاعودة فلقد أريقت الدماء.

وبالنسبة للإخوان، كان لذلك التأثير عينه إلى حد كبير. وكما قال لي مسؤول إخواني، “بعد ذلك اليوم، كان هناك عودة إلى عقلية المحنة”. وفي الأشهر اللاحقة قام مكتب الرئاسة بتشغيل أعضاء من الإخوان المسلمين بشكل مطرد، حيث لم يعد للإخوان أحد – ولا حتى السلفيين – يلجئون إليه ما عدا الجماعة نفسها.

إلا أنّ التقوقع والأسلمة أمران مختلفان. فبعيداً عن الخطاب والمواقف، يبقى مرسي والإخوان حذرين كما كانوا دائماً. وبالرغم مما يملكوه من سلطات تشريعية وتنفيذية المهمتين، لم يمرروا أي تشريع “إسلامي” بعد، باستثناء قانون الصكوك الإسلامية، الأمر الذي أثار غضب السلفيين المتشددين أكثر من الليبراليين.

ليست “الأسلمة” بالشيء الذي يمكن القيام به بهذه البساطة. وفي الوقت الراهن، إنّ أولويات الإخوان بسيطة إلى حد ما – وهي البقاء والوصول الى الانتخابات المقبلة. وفي خضم صراع وجودي، جميع موارد الجماعة موجّهة لضمان عدم سقوط مرسي وإسقاط الإخوان معه.

إنّ الإخوان المسلمين وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، لا يتصرفان مثل أي حزب حاكم تقليدي. فهم، بحكم وجودهم لأكثر من 80 عاماً في المعارضة، لا يزالوا يرون أنهم يواجهون مجموعة من الأعداء – ولكن هذه المرة، يواجهونهم من أعلى موقع في الدولة، وليس من الأسفل. وفي هذا الصدد، جاء عنوان مقال الباحث في أمور الشرق الأوسط ناثان براون كالآتي: “فقط لأن محمد مرسي مريض بجنون الإرتياب لا يعني أنّه ليس لديه أعداء”.

يمكن للمرء الجدال حول ما إذا كانت عقدة الإسلاميين من الاضطهاد تستند إلى تهديدات مرسومة في خيالهم. ومع ذلك، فإنها تستند على حدث حقيقي يمكن القول إنه أسوأ “الخطايا الأصلية” للمرحلة الانتقالية – وهو حل أول برلمان للبلاد منتخب بشكل ديمقراطي. وجاء لما قام به القضاء، المستند على تفاصيل ثانوية قانونية، تأكيداً على خوف الإسلاميين القديم: أن الفوز في الانتخابات – وفي حالة مصر، خمسة انتخابات في المجموع – ليس بالأمر الكافي، غير أن 20 عاماً قد مضى على إجهاض الانتخابات الجزائرية الذي أسقط البلاد في آتون حرب أهلية.

والأكثر إشكالية هو أنّ حل المحكمة للسلطة التشريعية قد خلق جموداً مؤسسياً في أعلى مستوى من الدولة. في غياب البرلمان، أُعطيت السلطة التشريعية إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم إلى الرئيس مرسي، ومن ثم، أخيراً، إلى مجلس الشورى والذي لم يكن من المفترض أن تُنقل إليه هذه السلطة في المقام الأول. وبدون سلطة تشريعية شرعية، تباطأت عملية إصدار القوانين إلى حد كبير. وبتعبير آخر، لم يكن هناك جسم حقيقي يمكن أن يشكل نقطة الارتكاز للحوار، لحل الخلافات السياسية، ولاحتواء حالة الاستقطاب المتفاقمة في البلاد.

وفي الوقت نفسه، كان موالون لمرسي يشنون معركة داخلية للسيطرة على السلطة التنفيذية. أولئك الذين عملوا في مكتب الرئاسة يصفون المؤسسة بأنها كانت فارغة إلا من عدد ضئيل من الموظفين. وبحسب أحد مستشاري مرسي الكبار، كانت شبكة الإنترنت اللاسلكية في البداية غير آمنة ويمكن لأي أحد الولوج إليها من خارج أسوار القصر. وقال: “عندما دخلنا القصر، أعطونا ملاحظات مكتوبة بخط اليد بدلاً من تصاريح الدخول المناسبة. ماذا يعني هذا لك؟”

مما لا شكّ فيه أن هذه الحكاية من الحرب المؤسسية المطوّلة تخدم الإخوان المسلمين جيداً وتسمح لهم بتجنّب الانتقادات حول فشلهم الجلي في الحكومة. كذلك، فهي تسمح للإسلاميين بتصوير أنفسهم على أنهم الديمقراطيون الحقيقيون الذين فازوا بالسلطة بصورة شرعية ولكنهم مُنعوا من استخدامها. ولكن وإن بدت الفكرة مناسبة للجماعة، إلا أنها لا تبدو خاطئة تماماً: إنّ مصر تعاني بالفعل تضخماً في البيروقراطية الفاسدة يعجّ بها نواب وزراء ومساعدون من عهد مبارك يشعرون بأنهم مهددون من قبل النخب الحاكمة الجديدة.

في حين يقول من هم خارج صفوف الإسلاميين بأن مرسي قد توسّع كثيراً في السلطة، غالباً ما يقول المسؤولون من الإخوان المسلمين العكس – إنّ الرئيس كان أظهر احتراماً كبيراً للدولة وإن عليه استخدام صلاحيات التعيين الخاصة به بقوة أكبر. يشيرون إلى أنّ أقل من ربع أعضاء مجلس الوزراء البالغ عددهم 35 كانوا من الإخوان في خلال الأشهر التسعة الأولى من رئاسة مرسي، وأن رئيس الوزراء هشام قنديل، هو تكنوقراطي عادي غير متميز عن الذين سبقوه في عهد مبارك. وحتى بعد التعديل الوزاري المثير للجدل في 7 مايو، والذي أدانته المعارضة بشدة لتمثيل الإخوان المسلمين الزائد، بقي أقل من ثلث الوزراء من حزب الحرية والعدالة.

وبعد الاشتباكات التي وقعت أمام القصر الرئاسي في ديسمبر، جلب مرسي إلى المكتب الرئاسي مسؤولين من الإخوان المسلمين بشكلٍ متزايد (وكان معظمهم من ميسوري الحال والذين اختاروا عدم قبض رواتب موظفي الحكومة، والتي تقف عند مستويات منخفضة للغاية). ولكن كما أشار مسؤول كبير من الإخوان، “الأشخاص الجدد الذين يجلبهم يقعون على الفور في شِباك البيروقراطية”.

قرر مرسي – والذي يصفه المقربون منه بأنه “يقوم بالأمور طبقاً للأصول” – العمل من داخل جهاز الدولة بدلاً من محاربته، على الأقل في البداية. وكان هدفه تقوية السلطة ببطء وتدريجياً انتزاع بعض السيطرة من البيروقراطية: ساد التفكير أنّ كلما طال بقاء مرسي في السلطة، كلما زاد قبول مؤسسات الدولة له واحترامها له. سواء أكان مرسي هو الشخص المناسب للقيام بمثل هذا العمل المتوازن والدقيق أو لم يكن فهذه مسألة أخرى.

وحين تكون في حضرة مرسي، تجده شخصاً يفتقر للهيبة التي اعتدنا عليها في الرؤساء، غير أنّه يتسّم بنوع من الخشونة والعند يوحي أنّه ليس الخصم الضعيف كما يتخيّله معارضوه. وللتأكد، فهو يتشاور وينسق مع نائب المرشد العام للإخوان المسلمين خيرت الشاطر، وقادة آخرين من الإخوان. ولكن سيكون من الخطأ الافتراض أنّ مرسي هو مجرد إناء لأيا لما قد يتمنّاه الشاطر المعروف بقوّته وغموضه. مع إنّ مرسي يحتاج إلى الإخوان المسلمين أكثر من ذي قبل، غير أنهم لا يستطيعون تحمل فشله (أو سقوطه).

هذا الاعتماد المتبادل يعطي كلا الطرفين قوى تفاوضية كبيرة. وصف أحد أعضاء الجماعة الذي عمل مع مرسي والشاطر، واصفاً الأخير “بالثوري”، كما يبدو بالمقارنة مع شخصية مرسي البسيطة والبارعة والتي ينقصها التفكير الإستراتيجي. بالنسبة لمعجبي الشاطر ومنتقديه على حد سواء، فهو شخصية بارزة. كما وأنّه عملي وطموح، وهذه صفات تحمل الالتباس حول الطبيعة المحددة لأهدافه المطلقة.

لطالما عرّفت هذه الميزات عن جماعة الإخوان المسلمين، والتي بدأت كجماعة لا ترمي إلى أقل من تحويل المجتمع والفرد. واستناداً إلى التعريف الذي سمعته يوماً من عصام الحداد، وهو حالياً مستشار مرسي للأمن القومي، الإخوان المسلمون هم “حركة تغيير اجتماعي ترمي إلى تقريب الناس أكثر فأكثر من معتقداتها”. وبقدر ما تبدو الفكرة حميدة غير مؤذية، لا يُعتبر تغيير معتقدات الناس أمراً سهلاً. وإن كانت هذه هي الغاية، وهي غامضة وغير محددة، فما هي إذاً الوسيلة؟ وبأي سرعة يمكن أن تسير الأمور؟

في كلّ من مصر وتونس، يناقش الإسلاميون هذه الأسئلة على الملأ. في تونس، سرعان ما وجدت حركة النهضة الإسلامية أنه رغم الفوز الساحق في انتخابات عان 2011، ستقاوم الأحزاب العلمانية والمجتمع المدني الحيوي أي محاولات لأسلمة الدولة، لاسيما حين يتعلق الأمر بوضع دستور جديد للبلاد. بعد حوار داخلي مهم عُقِد العام الماضي، قررت حركة النهضة سحب عددٍ من البنود المقترحة، بما فيها بند يجعل من الشريعة “مصدر من مصادر” التشريع.

لكن رغم حرص الحزب على تجنّب التجاوزات، إلا أنّه واجه اتهامات بإيواء أجندة متطرفة. ففي خلال الزيارة الأخيرة التي قمت بها إلى تونس، لخصت المفكرة العلمانية البارزة نايلة سيليني رأيها قائلة: “نعرفهم، نعيش معهم. لا تعرف تماماً بما يفكرون. فتقع فريسة الخطاب المزدوج!” كانت على حق: أراد الغرب أن يكون حزب النهضة أكثر اعتدالاً مما هو عليه في الحقيقة.

لم تفعل تنازلات حزب النهضة الأيدولوجية والتطمينات العامة والبيانات حسنة النية فعلها ولم تترك الأثر المرغوب به. فقد تعرض رئيس الحزب راشد الغنوشي للتجريح من قبل أعدائه “كـمرشح منشوري” – أي، مرشح خفى أيديوليجيته الحقيقية للتسلّل إلى السطلة على غرار بطل الفيلم الأمريكي بنفس الاسم – علماً أن إدعاءاته بالاعتدال جعلت منه مرشحاً غاية في الخطورة. في غضون ذلك، تساءل مناصروه إن كان “الاعتدال” يستحق كلّ هذه المشاكل. صوّت عدد كبير من التونسيين لحزب النهضة لأنه حزب إسلامي، وهذا ما كانوا يرغبون به، فقد أرادوا للشريعة أن تؤدي دوراً أكبر في السياسة إلا أن آمالهم كانت تخيب في كلّ مرة كان حزب النهضة يتنازل عن مواقفه.

وكان هذا الإحباط ما أراد الشيخ حبيب اللوز – من أبرز “المحافظين” في الحركة – أن يستفيد منه. عندما جلست معه على هامش جلسة برلمانية محتدمة بعد اغتيال السياسي العلماني شكري بلعيد، أصرّ على أنّ الجميع في الحزب ملتزمون بالشريعة على حدّ سواء. قال لي: “كلنا نؤمن بحظر الكحول في يوم من الأيام، لكن ما نختلف عليه هو كيفية عرض أفكارنا الإسلامية والتعبير عنها بأفضل طريقة ممكنة”.

في حين تطلع عدد كبير من الإخوان المسلمين المصريين إلى حزب النهضة، جاء انتقادهم مشابهاً للانتقاد الذي وجهه الشيخ حبيب اللوز. فقد بدا الحزب كحركة إسلامية بات همها الوحيد إرضاء الجميع من علمانيين والنظام القديم والمجتمع الدولي على حساب مناصريها. ما الفائدة من تقديم التنازل تلو الآخر إن كان خصمك سيكرهك مهما فعلت؟ وعلى حدّ قول أحد كبار المسؤولين في حزب الحرية والعدالة: “حاول الغنوشي أن يرضي الجميع إلا أنه لم يفلح قط في ذلك. لقد آلت به الأمور إلى قول أمور حتى الزعيم الليبرالي المصري محمد البرادعي يأبى أن يقولها، كحين صرّح أن قانون الأحوال الشخصية التونسي شكّل جزءاً من إطار عمل الشريعة بشكلٍ عام”.

وأردف المسؤول في حزب الحرية والعدالة قائلاً: “لكن هل زاد هذا من شعبيته؟” وأضاف: “في كل مرة يقدّم فيها التنازلات، لا يكفيهم. يريدون المزيد، وهذا ما يغضب مناصريه”.

تُعتبر تونس، مع جميع مشاكلها، أفضل قصص النجاح التي حققت في الربيع العربي. وأحد الأسباب هو أن تونس – على عكس مصر – استطاعت أن تأخذ وقتها. فقد كانت صياغة دستور تونس الجديد عملية بطيئة، لا بل شديدة البطء. غير أنّ البطء هو الثمن الذي يجب دفعه مقابل الإجماع. وعند الانتهاء من هذه العملية، سيكون للتونسيين وثيقة دستورية تتمتع بدعم واسع من مختلف الأطياف السياسية والأيديولوجية.

ولكن، البعض من الأخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة يرون الأمر من منظار مختلف. قال لي أحد قادة حزب الحرية والعدالة، في خلال حديثي معه، إنّ العملية الانتقالية في مصر كان يجب أن تتم على نحو أسرع مما كانت عليه: “كان علينا أن ننهي كل شيء بحلول ديسمبر 2011 كي لا نسمح للنظام القديم أن يكتسب القوة”.

في الواقع، يبدو أن الإخوان المسلمين يفتخرون بأن المرحلة الانتقالية في مصر شارفت على نهايتها. يقولون إنّ تمّ وضع دستور تمت الموافقة عليه عن طريق الاستفتاء، وإنّ هناك رئيس منتخب – وهو الأوّل في تاريخ مصر – وقبل نهاية هذا العام، سوف يكون هناك برلماناً منتخباً يترأسه رئيس وزراء من الحزب الأكبر (والذي من المحتمل أن يكون حزب الحرية والعدالة).

ولكن ما زال الإخوان المسلمون يفكرون على مراحل، وذلك بسبب حالة الارتياب التي رافقتهم في خلال المرحلة الانتقالية. وتجدر الإشارة إلى أنّ الإسلاميين في المعارضة يختلفون عما يكونون عليه في خلال عملية انتقالية سياسية – وكذلك، يختلف الإسلاميون في خلال فترة انتقالية عن إسلاميين متربعين على عرش السلطة بأمان. يمكن تلخيص ما يقلق الكثير من نقاد الإخوان على الشكل الآتي: ما يمكن أن يقوم به الجماعة ومناصروها لو استطاعوا؟

هذه هي الأسئلة التي لا أجوبة لها والتي تجعل من الحوار الحقيقي أمراً صعباً في دولة كمصر. إنّ بعض الأحزاب الإسلامية، على غرار حزب النهضة، على استعداد أكثر من غيرهم للتأقلم مع الديمقراطية الليبرالية. إلا أن جميعهم بالأساس ونظراً لكونهم إسلاميون هم إلى حدّ ما غير ليبراليين.

تعرضت التوجهات الإسلامية غير الليبرالية لكبت طوعي بالغ حتى الآن. لا يحتوي مشروع الدستور التونسي على أي شيء صريح يدلّ على توجهات “إسلامية”. في حين أنّ الدستور المصري ليس مميّزاً (أو حتى متوسط الجودة)، إلا أنه لا يجسد أبداً ما كان في ذهن الإسلاميين حين حلموا “بالدولة الإسلامية”. في مطلق الأحوال، لا يزال الوقت مبكراً: يطلب المحافظون بين الإسلاميين من مناصريهم الذين نفذ صبرهم أن ينتظروا أكثر، ويشيرون إلى أن تطبيق الشريعة قد لا يكون ممكناً الآن إلا أنه سيكون كذلك في المستقبل (وأن المستقبل سيكون لهم بإذن الله). وفي الوقت عينه، لجأ الليبراليون إلى التهويل لأنهم يستشعرون هذا الطموح الكامن. ويبدو أن الطرفين لا يتفقان إلا على هذا الأمر، أي ما يهدف إليه الإسلاميون على المدى الطويل. المعركة الأيديولوجية الحقيقية لم تكن قد بدأت بعد فعلياً، وهي فكرة باتت مؤرقة حقاُ.