Commentary

العراق والواقع المرير: توقعات العام 2016

منذ العام 2003، اتخذ صناع السياسة العراقية النظرة المتفائلة – ستبقى أسعار النفط عالية وستحقق شركات النفط العالمية، التي وقّعت على عقود لتطوير حقول النفط الجنوبية الضخمة، أهدافها، أي حوالي 12 مليون برميل يومياً بحلول العام 2017. بات من الواضح الآن أنهم لم يروا الصعوبات التجارية والتقنية الخطيرة أمامهم أو أنهم أخفقوا في توقع نتائج السياسات الداخلية والديناميكيات الإقليمية.

أقرت ميزانية العام 2016 التي اقترحتها وزارة المالية العراقية في منتصف شهر سبتمبر 2015، ببعض ما حدث خلال العام الماضي، إلا أنها لا تزال مليئة بالتفاؤل. أما الميزانية التي تبلغ 99,6 مليار دولار أمريكي ويبلغ عجز الإنفاق فيها إلى 25,8 مليار دولار، فتقدّر بـ 45 دولار للبرميل الواحد من النفط، و استمرار سلس لصفقة  ديسمبر 2014 والتي تمت مع حكومة إقليم كردستان بشأن عائدات النفط. ويعتمد هذا الترتيب على حكومة إقليم كردستان بإرسال 550,000 برميل يومياً لمؤسسة تسويق النفط العراقية: 300,000 برميل يومياً من حقول كركوك و250,000 برميل يومياً من الحقول الواقعة تحت نفوذ حكومة إقليم كردستان.

بحسب تقديرات الوزارة، ستبلغ صادرات النفط للعام 2016 3,6 مليون برميل يومياً، بما في ذلك 3,05 مليون برميل من الجنوب. يبدو ذلك ممكناً – إلا أنّ 45 دولار للبرميل الواحد سعراً طموحاً إلى حد ما. إذ إنّ السوق متخمة، ومع بداية العام 2016 سوف تبدأ صادرات النفط الإيرانية – من دون أن نذكر بيع إيران لـحوالي 36 مليون برميل من النفط العائم المخزن. وعلى غرار أعضاء منظمة الأوبك الآخرين، سيقّدم العراق تخفيضات من أجل الحفاظ على حصته في السوق، مما يقلل من فرص إبقاء الأسعار فوق الـ 40 دولار للبرميل الواحد في العام 2016. وقد يكون من الأفضل أن نفترض أن العراق سيجمع 35 دولار للبرميل الواحد من نفطه في العام المقبل – مما يجعل العام 2016 صعباً بالنسبة لبلد يحتاج 101 دولار للبرميل الواحد من أجل أن تحقق ميزانيته أهدافها.

سيكون ذلك تحدياً إضافياً يُزاد إلى التحديات المالية التي يواجهها العراق أصلاً، نظراً لحربه المكلفة مع ما يُسمى بالدولة الإسلامية والمهمة الصعبة المتمثلة في إدارة شؤون 3,5 مليون نازح.

لقد شهد هبوط أسعار النفط وارتفاع الواردات تقلّص احتياطي العراق من العملات الأجنبية لدى البنك المركزي من 78 مليار دولار في نهاية العام 2013 إلى حوالي 59 مليار في منتصف العام 2015. هذا وقد هبط الدينار العراقي أيضاً بشكلٍ حاد.

كان من الممكن أن يكون الوضع أسوأ لو لم يتم تحقيق نمو قوي نسبياً في الإنتاج في السنوات الأخيرة. منذ العام 2010، ازداد إنتاج النفط الخام في العراق بـ 2 مليون برميل يومياً ليبلغ 4,4 مليون برميل في الربع الثالث من العام 2015. تشمل قدرة الإنتاج الحالية 3,7 مليون برميل يومياً تسيطر عليها وزارة النفط الاتحادية و700,000 تسيطر عليها وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان. ورغم خسارة 220,000 برميل يومياً من مصفاة بيجي بسبب الحرب ضد الدولة الإسلامية، لقد تجاوز الاستهلاك الإجمالي في العراق (بما في ذلك العراق الكردي) 800,000 برميل يومياً، بينما بقي حوالي 3,6 مليون برميل للتصدير. وهذا يشمل 3,1 مليون برميل يومياً تحت إدارة مؤسسة تسويق النفط الحكومية العراقية و500,000 برميل يومياً تقوم وزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان بتسويقها بشكلٍ مستقلٍ.

إنّ التوقعات للعام 2016 تدعو وزارة النفط ووزارة الموارد الطبيعية في حكومة إقليم كردستان لإضافة حوالي 500,000 برميل يومياً من النفط الجديد، يأتي معظمها من كردستان العراق (300,000 برميل يومياً). بيد أنّ بغداد وأربيل تواجهان تحديات مالية وتقنية كبيرة ليس من شأنها أن تفسد هذه التوقعات وحسب، بل أيضاً أن تخفض قدرة الإنتاج إلى نسبة 10 بالمئة إذا لم يتم حلّها.

تسعى شركات النفط العالمية في الجنوب لتحصيل 9 مليار دولار بحلول نهاية العام 2015 لتغطية المبالغ المسددة حتى الربع الثالث من العام (مع تأجيل مدفوعات الربع الرابع للعام 2016). رغم مطالبة الحكومة شركات النفط العالمية بأن تخفّض نفقاتها، إلا أنّه من غير المرجّح أن تتغيّر اقتصاديات عقود الخدمات التقنية التي وقّعها هؤلاء المستثمرين. وبالتالي، يمكن أن تصل استحقاقات شركات النفط العالمية للعام 2016 إلى 12 مليار دولار. ولكي تتمكن من دفعها، لدفعها، قد تضطر الحكومة إلى إصدار سندات خارجية – أو تفقد قدرتها على تمويل عمليات شركات النفط العالمية في الجنوب.

إلا أنّ شركات النفط العالمية العاملة في كردستان العراق كانت أقل حظاً. فالمدفوعات المستحقة لها من قبل وزارة الموارد الطبيعية لا تزال ترتفع – وصل المبلغ في الربع الثالث من العام 2015 إلى حوالي 3,5 مليار دولار. سيرتفع المبلغ المستحق أيضاً لأن عائدات النفط الكردي بالكاد تغطّي ميزانيات المحافظات، بينما تستمر تكلفة المجهود الحربي ضد الدولة الإسلامية في التصاعد.

من شأن هذا الضغط المالي أن يفاقم الخلاف السياسي بين بغداد وأربيل بشأن حقوق تصدير النفط والمبلغ الذي يتوجّب على الحكومة الاتحادية أن تدفعه إلى حكومة إقليم كردستان. ومن أجل الحفاظ على تدفّق صادرات النفط وتحقيق الإيرادات، تجد حكومة إقليم كردستان نفسها تحت الضغط لتقديم أسعار مخفضة بشكل كبير إلى الأسواق العالمية ولإدارة المبيعات بصعوبة – الأمر الذي يزيد السياسة الداخلية تعقيداً.

والأسوأ من ذلك هو أنّ العديد من الخبراء يعتقدون أن توقعات إنتاج وزارة الموارد الطبيعية ووزارة النفط للعام 2016، وما بعده، هي تخيّلات لا يمكن تحقيقها. ثمّة أسباب تجارية ومالية وتقنية مختلفة تبرر شكوكهم.

تواجه مشاريع البنية التحتية في الجنوب تأخيرات كبيرة مما يمكن أن يعرقل التطوير. كما وأنّ شبكة التصدير وقدرة التخزين غير كافيتين، ولم يتم إحراز أي تقدم في مشاريع حقن المياه، وقد تضاعفت كميات حرق الغاز المصاحب إلى 1,6 مليار قدم مكعب يومياً. هذا بالإضافة إلى غضب شركات النفط العالمية بشأن التسديدات المتأخرة.

إنّ عيب عقود الخدمات التقنية هو أنّه يجب على العراق تسديد التكاليف التشغيلية وأتعاب شركات النفط العالمية خلال ربع واحد – وهذا يعني أن شركات النفط العالمية ليست من المستثمرين بالفعل. فهي في أحسن الأحوال توفّر رأس المال العامل قصير الأجل.

في الشمال، تعيق أزمة السيولة شركات النفط العالمية عن المضي في المزيد من الاستثمارات. تطالب شركتا دي أن أو (DNO) وجينيل (Genel ) وزارة  الموارد الطبيعية بنحو 1,5 مليار دولار، وهو مبلغ استحق لهما لأعمال قامتا بها. هذا وتواجه وزارة الموارد الطبيعية مطالب بمليارات الدولارات المستحقة عن فواتير لم يتم سدادها وأضرار نتجت عن خسارتها في مرحلة المسؤولية ضمن التحكيم ضد اتحاد دانة غاز؛ وقد تخلّت شركة أفرين (Afren) وغيرها عن حقولها في كردستان. ويُضاف إلى المشاكل التي تعانيها حكومة إقليم كردستان ما يحصل مؤخراً من سرقة نفط وتخريب في خط الأنابيب الوحيد المستخدم لتصدير النفط – والذي يُعتبر شريان الحياة المالي في المنطقة ومصدر الأموال المستخدمة لمحاربة الدولة الإسلامية. تحتاج حكومة إقليم كردستان إلى حوالي 8 مليار دولار سنوياً لدفع الرواتب المحلية فقط، ناهيك عن تكلفة الحرب والخدمات العامة.

نظراً للإنجازات التي تحققت في السنوات الخمسة الماضية المتعلّقة برفع إنتاج النفط، فمن الممكن أن يضيف العراق مليوني برميل آخرين يومياً إلى إنتاجه بحلول العام 2020 – على أن يُستخرج معظم هذه الكمية من الحقول الجنوبية، ولكن مع حوالي 500 ألف برميل يومياً من الحقول الكردية. إلا أن هذه النظرة ليس إلا نظرة متوسطة الأجل. تحف التوقعات على المدى القصير بصعوبات أكبر من ذلك بكثير. ما لم تتمكن وزارة الموارد الطبيعية ووزارة النفط من حلّ مشاكلهما بسرعة، قد يبقى الناتج في العام 2016 عند المستوى الذي سُجل في الربع الثالث من العام 2015.

وهذا من شأنه أن يجعل التوقعات على المدى الأطول أقل تفاؤلاً. إنّ استمرار أسعار النفط المنخفضة والحرب على الإرهاب وإدارة شؤون 3,5 مليون نازح والإنفاق العام الخارج عن السيطرة والديون المتزايدة لشركات النفط العالمية، كلها أسباب تدفع المرء للشك في أنّ العراق سيتمكن من تحقيق هدفه في إنتاج 7,1 مليون برميل يومياً بحلول العام 2020. ليس هذا بالأمر المستحيل، إلا أنّ الهدف يبدو بعيد المنال.