Commentary

التشوش الإسلامي الأمريكي

بعد مرور عقد من الزمان على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وصلت أمريكا إلى طريق سياسي وفكري مسدود فيما يتعلق بالمسلمين الذين يعيشون داخلها. لا يزال العديد من الأمريكيين يخشون جيرانهم المواطنين المسلمين، وإن لم يكن كإرهابيين محتملين فكمتعاطفين مع الإرهاب — أو بشكل أعم، كحاملي ثقافة غريبة يتشاركون فيها مع أعداء أميركا.

ما يؤجج هذه المخاوف هي مجموعة من الصحفيين والمدونين التحقيقيين المتحمسين الذين يقومون بتدوير مجموعة من الحقائق حول الأصول إسلامية لمعظم القادة المسلمين وجميع المنظمات الإسلامية الأمريكية الرئيسية. هذه الحقائق مأخوذة إلى حد كبير من الملاحقة القضائية الناجحة للحكومة الفدرالية لمؤسسة الأرض المقدسة، وهي إحدى جبهات حركة حماس، وهذا دليل لا جدال فيه – لكن آثارها أبعد ما تكون عن الوضوح. وكما يكرر النقاد هذه الحقائق ويعيدون النظر فيها، فهي تصطبغ بنوعية الحقائق المُجمَّدة في الوقت، مثل القطع الأثرية للآثار السياسية التي لا توضع أبدًا في أي سياق أوسع. يخفق النقاد في الاعتراف بأن الأفراد الذين يتبنون وجهات النظر الإسلامية في فترة من الفترات لا يبقوا بالضرورة معتنقين لها مع مرور الوقت. ينضج الناس ويتجاوزون حماقة وغضب الشباب، وتتسبب أمريكا في تغيير من يهاجر إليها. 

من ناحية أخرى، ترفض نخبنا السياسية والإعلامية والفكرية على نحو روتيني هذه النتائج على أنها تاريخ قديم غير ذي صلة. هذا أيضًا خطأ من الناحيتين الموضوعية والسياسية: على الرغم من أن هؤلاء القادة وهذه المنظمات لا تمثل جميع (أو حتى أكثرية) المسلمين الأمريكيين، فإنها تسيطر على المساحة السياسية المعنية. وعلاوة على ذلك، كان ومازال لأيديولوجيتها الإسلامية تأثير تكويني على طريقة تفكير المسلمين بشأن مكانتهم في أمريكا وعلاقة أمريكا مع العالم الإسلامي. لا يعترف أيضًا رأي النخبة بشكل منهجي أو يتجاهل حقيقة أن الإسلام هو دين دينامي يسعى بقوة لجمع الأنصار. هذا لا يعني أن القادة المسلمين الأمريكيين إرهابيون أو متعاطفون مع الإرهاب؛ ولا هو انتقاد للطريقة التي يفسرون بها الدعوة لنشر الإسلام. فمثل العديد من المسيحيين، يعتبر العديد من المسلمين أفعالهم النموذجية هي أفضل وسيلة لنشر دينهم. ومع ذلك، يعترف القادة المسلمون بالفعل بأنهم لم يحلموا بهذا منذ زمن، كما قال ذلك البعض، “عَلَم الهلال يرفرف يوم ما فوق البيت الأبيض”. بالنسبة لمعظم القادة، وربما بالنسبة للجميع، هذا خيال بعيد لأنه اصطدم مع الواقع. ولكن يستمر نفوذه باقيًا. 

فشل نخبنا في الاعتراف بمثل هذه الأدلة قد زاد من قلق الأمريكيين. ولكن إذا كانت النخب متعجرفة جدًا بشأن التحديات التي يشكلها الإسلام على أمريكا، فإن المواطنين العاديين والمدافعين عنهم كانوا أكثر تشاؤمًا، وتصوروا سيناريوهات ظهر فيها القادة المسلمين على أنهم ليسوا فقط منحرفين (والتي كانت كثيرة) ولكن أيضًا كأنهم يملكون كل العلم — كما لو كانوا معفيين من الخسارة التي تواجه حتمًا جميع الأطراف السياسية الفاعلة. كان الزعماء المسلمون في الواقع وافدين جدد يجهلون إلى حد كبير مجتمع أمريكا الدينامي الهائل وأوضاعه السياسية المعقدة. ومثل غيرهم من المهاجرين الذين أُجبروا على التعلم والتكيف، فقد قاموا بارتكاب الكثير من الأخطاء. 

ما يغيب بشكل ملحوظ من القصة عن النخبة والعامة هو تقدير كيف غيّرت أمريكا المسلمين. مما لا شك فيه، لم تكن كل هذه التغيرات حميدة. ولكن يجب علينا التصدي لجميعها بنفس القدر. مثل هذا التقدير لا ينقص سذاجتنا حول كفاءة الإسلاميين، ولكن من شأنه أن يساعد أيضًا على استعادة ثقتنا في مرونة المؤسسات والقيم الأمريكية – وهو الإيمان الذي كان غائبًا بشكل لافت للنظر بين النقاد الأكثر تشددًا ضد إسلام الأمريكيين. الأهم من ذلك، أنه قد يعمل على تسهيل تصدينا للتحديات الحقيقية التي تواجهها أمريكا من جهة الإسلام. 

من بين هذه التحديات، فإن أبرزها هو ولاء الأمريكيين المسلمين. هذا لا يعني أن المسلمين هم خائنون فعليًا. لكن ولائهم لهذا الوطن مشوش. هذا الالتباس يرجع في جزء منه إلى تأثير القيم العالمية والسياسات المقابلة (مثل الجنسية المزدوجة)، وإلى عدم رغبة أمريكا المعاصرة الواضحة في وضع مطالب حقيقية على مواطنيها. لكن الارتباك الأمريكي الإسلامي حول الولاء يعكس بوضوح أيضًا التأثير المُعرقِل للقادة الإسلاميين والمؤسسات والإيديولوجية. هذا التحدي الأكثر دهاءً لم يسبق له مثيل في تاريخنا كأمة تكونت من المهاجرين — ولكن في مناقشاتنا حول مسلمي أمريكا، فقد تم التغاضي عنه من قبل كل من النخب الراضية والشعبيين الذين يثيرون المخاوف. 

من هم مسلمو أمريكا؟

عند تقييم مجتمع أمريكا المسلم، قد يكون من الصعب الحصول حتى على الحقائق الأساسية. على سبيل المثال، بعد سنوات من المقابلات والبحوث الميدانية، التقيت بمسلم واحد فقط لم يؤكد بثقة وجود من 6 إلى 10 ملايين من أشقائه وشقيقاته في الولايات المتحدة، وأن أعدادهم تتزايد طوال الوقت. هذه النقطة الثانية صحيحة، ولكن النقطة الأولى بالتأكيد خاطئة. يحظر الإحصاء في الولايات المتحدة جمع معلومات عن الدين، لذلك لا توجد بيانات دقيقة عن حجم المجتمع المسلم. ومع ذلك، فالأكثر قبولاً هو البيانات الواردة من مركز بيو للأبحاث، والتي تقدر وجود حوالي 2.75 مليون مسلم في الولايات المتحدة. وأكثر من 60 ٪ ممن تتراوح أعمارهم بين 18 سنة فأكثر مولودون في الخارج. تدور التقديرات الموثوقة الأخرى حول نفس النطاق. 

وبذلك يشكل المسلمون أقل من 1 ٪ من سكان الولايات المتحدة، وهي نسبة أقل بكثير مما هي عليه في دول أوروبا الغربية. وعلى عكس المسلمين الأوروبيين، يميل المسلمون في الولايات المتحدة إلى تحصيل مستويات تعليم ودخل تقارب مستويات العدد الأكبر من السكان. على سبيل المثال، وفقًا لمركز بيو، فإن نسبة المسلمين الذين تخرجوا من كليات هي تقريبًا نفس نسبة جميع الأمريكيين البالغين الذين حققوا ذلك: 26 ٪ من المسلمين مقارنة مع 28 ٪ من السكان ككل. وبالمثل، يصل دخل الأمريكيين المسلمين إلى 100.000 دولار أو أكثر وهو نفس معدل الأمريكيين عمومًا: 14 ٪ من المسلمين مقارنة مع 16 ٪ من جميع البالغين في الولايات المتحدة. مما لا شك فيه أن هذه الأرقام تعكس حقيقة أن المسلمين قد أتوا إلى الولايات المتحدة أساسًا سعيًا في الحصول على تعليم عالي. وكما توحي جيوب الفقر بين جماعات مثل الصوماليين واليمنيين، لم تكن هذه هي الحالة دائمًا: يكشف مركز بيو أيضًا أنه في عام 2011 حصلت نسبة أعلى من المسلمين عن الأمريكيين عمومًا على إيرادات منزلية اقل من 30.000 دولار (45 ٪ من المسلمين مقارنة مع 36 ٪ من جميع الأمريكيين). 

في ظل التساؤلات حول ولاء المسلمين للولايات المتحدة، تجدر الإشارة أيضًا أن مركز بيو يشير إلى معدلات تأقلم عالية بين المسلمين. سبعون في المئة من المسلمين هنا والذين ولدوا في الخارج هم مواطنون أمريكيون. من بين هؤلاء الذين وصلوا قبل عام 1980، فإن جميعهم بالفعل مواطنين الآن؛ ومن بين أولئك الذين وصلوا خلال ثمانينات القرن العشرين فإن حوالي 95 ٪ منهم مواطنون؛ و80 ٪ من أولئك الذين وصلوا في تسعينات القرن العشرين هم مواطنون. 

من الملاحظ في كثير من الأحيان، وإن كان يحظى بقليل من التقدير، هو التنوع الهائل لهذه الفئة الصغيرة (المتزايدة) من السكان. تعد أمريكا موطنًا لكتلة المسلمين الأكثر تنوعًا على هذا الكوكب. الأغلبية الساحقة هي من السُنّة، لكن الشيعة يمثلون حوالي العشر. ويوجد بين السُنّة أيضًا اختلافات كبيرة نابعة من الولاءات للتقاليد التفسيرية القانونية المختلفة، أو ما يسمى المذاهب. على سبيل المثال، فإن قادة أكبر منظمة إسلامية أمريكية، وهي الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA)، تتعامل كل عام مع النزاعات بين أعضائها الذين ينتمون للسُنّة في المقام الأول حول أفضل السبل لتحديد بدء شهر رمضان من خلال رؤية القمر. ولأن الإسلام هو دين “مقوِّم للأخلاق” – أي معني بالسلوك أكثر من العقيدة – تكثر الخلافات المماثلة. 

هناك أيضًا الخلافات العرقية والإثنية. والخلافات الأكثر وضوحًا وأهمية هي الخلافات بين المسلمين الأصليين من المهاجرين والأمريكيين من أصل أفريقي. هذا لا يشير إلى حركة أمة الإسلام الذي أسسها لويس فرخان – وهي طائفة صغيرة عنصرية لم يكن لها علاقة كبيرة بالإسلام — ولكن إلى الأمريكيين من أصل أفريقي الذين نشئوا في الإسلام الصحيح أو تحولوا إليه، وهم في العادة سُنة وإن كان هناك أيضًا القليل من الشيعة. بشكل عام، ووفقًا لمركز بيو، يمثل هؤلاء 13 ٪ من جميع المسلمين في أمريكا. (إذا اشتمل ذلك على العدد الكبير من المسلمين المهاجرين من أفريقيا تصبح النسبة حوالي 23 ٪ من المسلمين هنا من السود على الأساس العرقي). 

يجتمع المسلمون الأمريكيون الأفارقة عادة في مساجد خاصة بهم ولهم أساليبهم المميزة في العبادة. ونظرًا لعدم تعودهم على اللغة العربية عمومًا، وهي لغة القرآن، فإنهم غالبًا ما يشعرون بأنهم في وضع غير ملائم بالمقارنة مع أشقائهم وشقيقاتهم من المسلمين المهاجرين. تتفاقم هذه المشاعر من خلال التباين الواضح في الدخل والتعليم والمكانة المهنية. ولأن الأمريكيين الأفارقة قد انجذبوا أساسًا إلى تأكيد الإسلام على المساواة بين المؤمنين، فغالبًا ما يشعرون بخيبة أمل عندما لا يرقى الواقع العملي إلى مستوى المُثل. يمكن أن تتحول خيبة الأمل في بعض الأحيان إلى غضب؛ ومع ذلك، يبذل كلا الجانبان جهودًا متواصلة للتغلب على هذه الفجوة المدفوعة جزئيًا بالنفع السياسي. 

الاختلافات الأقل إثارة هي الاختلافات العرقية والأصل القومي والاختلافات اللغوية. يحدد مركز بيو للأبحاث 77 بلدًا على الأقل جاء منه المسلمين المقيمين في الولايات المتحدة. الفرق الأبرز هو بين المتحدثين باللغة العربية من الشرق الأوسط والأوردو والباشتو، والمتحدثين الهندية من جنوب آسيا. في معظم المناطق الحضرية، يجد المرء “المساجد العربية” و ” المساجد الهندية الباكستانية”، على الأقل وسط السُنة. والاختلاف الأكثر صلة بالنواحي العرقية والوطنية بين الشيعة هو بين الإيرانيين (الفرس) والباكستانيين الهنود. 

وبالطبع لا يتحد بالضرورة العرب والذين من جنوب آسيا لتشكيل مجموعات متميزة. الخط الفاصل بين الهنود والباكستانيين (والبنغلادشيين) واضح. المجموعات العربية الفرعية المختلفة لها أيضًا تاريخها وسياقاتها السياسية المتباينة. فالمصريون الأمريكيون على سبيل المثال لا ينظرون للعالم بنفس الطريقة التي ينظر بها المغاربة الأمريكيون، وليس لديهم نفس المخاوف حول السياسة الأمريكية تجاه بلدانهم الأصلية — حيث تستمر دائمًا علاقاتهم الأسرية والتجارية والسياسية. الفلسطينيون لهم تجربتهم الفريدة والمأسوية. وكما يذكّرنا الربيع العربي، عندما يتعلق الأمر بالسياسة الأمريكية، غالبًا ما ينظم الأفراد أنفسهم ليس كمسلمين أمريكيين بل كليبيين أمريكيين وسوريين أمريكيين، وهكذا دواليك. 

يظهر الخطأ الآخر على أساس أهمية الدين في حياة الناس. وفقًا لمركز بيو، يقول حولي سبعة من بين كل عشرة من المسلمين في أمريكا أن الدين “مهم جدًا” بالنسبة لهم. لكن يقرر أقل من النصف أداء الصلوات الخمس اليومية المفروضة على جميع المسلمين. لا يحضر معظم المسلمون في الولايات المتحدة المسجد بانتظام؛ بل نحو الخُمس في الواقع نادرًا ما يحضر أو لا يحضر مطلقًا. وصرح لمركز بيو نحو الثلث فقط أنهم يذهبون إلى المسجد للمشاركة في أنشطة اجتماعية أو دينية أخرى غير العبادات الدينية المألوفة. من الصعب بالطبع القول بالضبط ما الذي يفسر هذه الاختلافات. فيرى بعض الأمريكيين المسلمين الدين باعتباره مسألة خاصة لا تتفق مع الساحات العامة، وكثير من هؤلاء يفترض أنهم لا يحضرون المسجد أو ينضمون إلى المنظمات الأمريكية الإسلامية. ولكن هناك أيضًا شريحة كبيرة من المسلمين هنا الذين رفضوا الدين، أو اختاروا على الأقل عدم التصرف وفقًا له بأي شكل من الأشكال الواضحة. ويكتفي مثل هؤلاء الأفراد على الأرجح بتعريف أنفسهم على أساس أصولهم القومية. 

كل هذه الاختلافات تجعل الحديث عن أي مجتمع إسلامي أمريكي بمفرده مشكلة كبيرة. يفشل غير المسلمين عمومًا في تقدير مدى صعوبة هذا التنوع الاستثنائي الذي عليه القادة المسلمين الأمريكيين. في الواقع، الحاجة للتغلب على التجزؤ وصياغة هوية سياسية “أمريكية مسلمة” يفسر قدرًا كبيرًا من سلوك القادة ومنظماتهم على السواء. 

الوجه المتغير للاندماج

العنصر البارز الآخر في أي صورة ديموغرافية للأمريكيين المسلمين هو مدى اندماجهم الاجتماعي والثقافي. في هذه الحالة، يصعب الحصول على البيانات الموثوقة أيضًا. ولكن هناك قدرًا كبيرًا من الأدلة المروية والمجزأة التي تؤكد مدى تكيف المهاجرين المسلمين مع الحياة في أمريكا. 

أحد الأسباب التي لم تعط لهذا الاتجاه أهمية أكبر قد يكون هو حرج المسلمين حيثما بدءوا من الناحية الثقافية. فمثل غيرهم من الكثير من المهاجرين، لم ينو الطلاب المسلمين الذين وصلوا في أواخر ستينات القرن العشرين عادة البقاء بشكل دائم؛ وحتى بعد تأمين فرص عمل في المهن التي اختاروها، خطط معظمهم للعودة إلى أوطانهم يومًا ما. ولكن خلافًا لغيرهم من المهاجرين، انعزل هؤلاء الوافدون الجدد بشدة عن الثقافة والمجتمع الأمريكي. فلم ينظروا للإسلام على أنه متفوق على اليهودية والمسيحية فقط، بل كانوا يخشون أن يكون خلاصهم مهددًا لمجرد وجودهم في أمريكا. 

كان هذا بالتأكيد هو ما يقوله قادتهم لهم. على سبيل المثال، اطلع على دليل الآباء: دليل للآباء المسلمين الذين يعيشون في أمريكا الشمالية. تم إنتاجه لأول مرة عام 1976 من قبل لجنة المرأة في جمعية الطلاب المسلمين في الولايات المتحدة وكندا، وأعيد إصداره عام 1992 بواسطة منشورات تراست الأمريكية – وهما منظمتان أنشأهما ناشطون من الإخوان المسلمين. انتشر هذا الدليل على نطاق واسع لسنوات عديدة من تجار الكتب في المؤتمرات والاجتماعات الإسلامية، وهو يقرر أن “الإسلام هو نظام شامل لحياة الإنسان ومجتمعه… وبالتالي فإنه متفوقًا بشكل مطلق على أي نظام أو أيديولوجية يمكن للإنسان استنباطها”. وكما يوضح الفصل الخاص بالجنس والزواج، “نحن نعيش في الواقع في بيئة تواجه فيها معاييرنا الإسلامية عن النقاء والاحتشام تهديدًا مستمرًا ويمكن بسهولة أن يُقضى عليها تمامًا”. ثم يحث المؤلفين بعد ذلك المسلمين لتجنب عيد الميلاد وعيد الفصح وعيد جميع القديسين وعيد الحب وعيد الأم وحتى أعياد الميلاد: 

المسلم المخلص محتشم جدًا في نفسه ويخجل أن يكون بؤرة الاهتمام. فهو يدرك أنه لم يخلق حياته الخاصة، ولا يقدر أن يحفظها يومًا بعد يوم وعامًا بعد عام، ولا يعتبر وجوده الخاص يستحق اهتمام الرأي العام في ذكرى ميلاده. 

وما يوضح الأمر أكثر هو تصوير الدليل لأمريكا على أنها من الجاهلية. وكما يوضح المؤلفون، فإن المصطلح يشير إلى “المجتمع الذي يجهل مقاصد خلق الإنسان، وعلاقته ومسؤوليته نحو خالقه، والأهداف التي ينبغي السعي نحوها في هذا العالم.” يأتي مصطلح الجاهلية من معجم المفكرين الإسلاميين مثل أبو علاء المودودي وسيد قطب؛ واستخدمه الإسلاميون المتطرفون في تبرير الإرهاب. لا يستخدم الدليل هذا المصطلح بهذه الطريقة، ولكنه يحث الآباء على “السعي للحفاظ على إسلامنا والإسلام الذي سنورثه لأبنائنا نقيًا وغير ملوثًا باتجاهات هذه الجاهلية، و…تحويل هذه الجاهلية شيئًا فشيئًا إلى الإسلام”. 

في الوقت نفسه، ينص الدليل على أن “لا يتم تقديم أي من هذه الأفكار باعتبارها فتوى أو عقيدة”، ويدعو القراء إلى أن يتعقلوا ويعتمدوا على الحس السليم. في الواقع، على الرغم من الإدانة الواضحة لاحتفالات أعياد الميلاد، يقر الدليل بأنه “إذا كان الطفل المسلم الصغير يشعر برغبة شديدة في هذا الأمر، فلن يتسبب هذا على الأرجح إلا في ضرر بسيط عند الاحتفال بعيد ميلاده بطريقة معتدلة خلال سنواته الأولى”. فيما يتعلق بالمعارف من غير المسلمين، يقول الدليل بأنه على الرغم من أن الأصدقاء المقربين يجب أن يكونوا بالضرورة من المسلمين، ينبغي على الآباء تعليم أولادهم أن “المسلمين يجب أن يعاملوا غير المسلمين بمودة وعدل مثلما يعاملون المسلمين حتى لا يستغلوا [هم] عدم كونهم غير مسلمين كذريعة لسوء السلوك تجاههم”. 

هناك نمط مماثل واضح في مصدر أكثر موثوقية: مُزّمّل صدِّيقي، وهو خريج الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، ومسؤول سابق في رابطة العالم الإسلامي التي تدعمها السعودية، وعضو لفترة طويلة في المجلس الفقهي لأمريكا الشمالية (الهيئة القضائية التي تفسر الشريعة للمسلمين هنا). في مقالة نشرت عام 1986 في إسلاميك هوريزونز [الآفاق الإسلامية]، وهي دورية بعثت بها الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية إلى آلاف الأسر المسلمة، يستشهد صدِّيقي بالتمييز التقليدي بين دار الإسلام، وهي تلك الأماكن التي تسود فيها الشريعة الإسلامية، ودار الكفر، أي الأماكن الأخرى. وباستشهاده بالتعاليم التي تسمح للمسلم أن يقيم في دار الكفر لتنفيذ مهمة محددة لكن “يجب العودة إلى دار الإسلام بمجرد الانتهاء من هذه المهمة”، لا يدع صدِّيقي مجالاً للشك بأن أمريكا هي دار كفر، و”نحن في خطر اندماج حقيقي في ثقافة غير إسلامية”. ولكن المدهش بعد ذلك أن صدِّيقي يخلُص إلى القول “نحن لا نعني بأنه ينبغي على المسلمين ترك أمريكا أو العودة من حيث أتوا “. ويطمئن قراءه أن نهج العمل الذي يقترحه “لن يحرمكم من وظائفكم أو مهنكم”. 

ماذا يقترح إذًا هذا الفقيه الإسلامي الرائد؟ يقترح أن يجعل المسلمين “نية الهجرة هي في سبيل الله”. والمقصود بالهجرة هنا هو الإشارة إلى هروب محمد وأتباعه من مكة، حيث كانوا يتعرضون للاضطهاد، إلى المدينة، حيث شكلوا أول مجتمع إسلامي. في الفكر الإسلامي المعاصر، تشير الهجرة تحديدًا إلى الانسحاب من المجتمع العلماني الحديث. تبعًا لذلك، يحث صدِّيقي المسلمين في أمريكا على إنشاء المساجد ودعمها، وبناء مدارس وكليات إسلامية، وقراءة الكتب والمجلات الإسلامية، وضمان “نظام إسلامي في زواج الشباب المسلمين”. 

هل هذه إستراتيجية قابلة للتطبيق؟ كان صديقي يقترح صفقة تمكنت من تحقيقها مجموعات المهاجرين الأخرى، على الأقل في جيل أو نحو ذلك. لكن الرهانات مختلفة — وأعلى – بالنسبة للمسلمين. في الواقع، ترك صدِّيقي، مؤلف دليل الآباء، وغيره من الإسلاميين، شعوبهم في مأزق حقيقي: لقد قالوا لشعوبهم “أنكم اخترتم العيش في مجتمع فاسد وشرير حيث نسيج الحياة اليومية على خلاف تام مع تعاليم الله. ومع ذلك يجب أن تكونوا لطفاء مع الجيران وزملاء العمل غير المسلمين، وتواصلوا مهنكم في مجال الطب والهندسة، وترسلون أبنائكم إلى الجامعات الأمريكية، وأن تظلوا قريبين من مساجدكم ومدارسكم وتحرصوا على زواج بناتكم من رجال مسلمين صالحين. 

لا عجب أن العديد من المسلمين قد قاطعوا هذه النصيحة. وكما أشير أعلاه، لا يذهب معظم الأمريكيين المسلمين إلى المسجد بانتظام. علاوة على ذلك، تشير الأدلة المتاحة إلى أن أقل من 5 ٪ من الأطفال الأمريكيين المسلمين ينخرطون في دوام كامل في مدارس إسلامية. حتى لو أن الكثير من المهاجرين المسلمين لم يندمجوا تمامًا في الثقافة الأمريكية الأوسع، اندمج أطفالهم في كثير من النواحي. 

من جهة أخرى يمكن اعتبار وصفة صدِّيقي نجاحًا. قبل الحادي عشر من سبتمبر، استطاع الكثير من المسلمين ممارسة المهن والتعليم في حين ظلوا بمعزل عن التيار الرئيسي للحياة الأمريكية. ومع دعم المساجد والمدارس الإسلامية جزئيًا باستمرار الهجرة واعتناق البعض للإسلام، فقد نمت في الحجم والعدد. القليل من المسلمين الذين غزوا المجتمع الأوسع، ولاسيما في مجال السياسة، كانوا ذوي طبيعة دفاعية — على سبيل المثال، رد الفعل على تداعيات تفجير مركز التجارة العالمي عام 1993. استمر كثير من المسلمين، وربما معظمهم، في الاعتقاد بأن التصويت في أمريكا حرام. على أية حال، يميل المهتمون بالسياسة للتركيز على التطورات في بلدانهم الأصلية، والتي مازال الكثيرون يخططون للعودة إليها. 

بحلول تسعينات القرن العشرين، قيل أن عدد قليل من القادة المسلمين قد اشتكوا بأن المساجد كانت “أندية عرقية في البلاد” و “قلاع إسلامية”. وشعروا أن المدارس الإسلامية في عزلة تامة. ولكن كما روي لي عدد كبير من المسلمين، أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر “أجبرتنا على الخروج من شرانقنا” في النهاية. 

على مدى العقد الماضي، سعى القادة المسلمون بجدية للدفع بالمسلمين العاديين إلى الانخراط مع المجتمع الأمريكي والسياسة. ولكن مازالت هناك تيارات مضادة تسحبهم بعيدًا عن أي شيء ليس مرتبطًا بإيمانهم. على سبيل المثال، في الجلسات المخصصة اسميًا لمناقشة الإسلاموفوبيا أو قضايا الحقوق المدنية، نادرًا ما يغير الحضور الموضوع ويسألون القادة إن كان يجوز لهم تكوين علاقات صداقة مع غير المسلمين أو حضور غداء العمل حيث يتم تقديم المشروبات الكحولية. 

لا تأتي مثل هذه الأسئلة بالضرورة فقط من المهاجرين الجدد. في إحدى الجلسات التي لا تنسى في المؤتمر السنوي لعام 2004 في الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية، وجد صدِّيقي نفسه أمام غرفة تغص بشباب مهتاج منشغل بالانتخابات الرئاسية المقبلة. أرادوا بشدة معاقبة جورج بوش على سياسته الداخلية والخارجية، والتصويت لصالح خصم بوش الديمقراطي، جون كيري. وقف أحد الشباب وناشد: “أيها الإمام، ألن يعرض دعمي للديمقراطيين، الذين يؤيدون بوضوح حقوق الشاذين جنسيًا، سمعتي الحسنة كمسلم للخطر؟” وتساءل آخر: “هل التصويت لصالح الديمقراطيين يجعل المرء متواطئًا مع الشذوذ الجنسي؟” 

وجاء رد صدِّيقي مباشرًا ومذهلاً: “دعهم في شذوذهم الجنسي… لا أحد يجبرك على أن تكون شاذ جنسيًا” وتابع قائلاً: “إذا كنت تعتقد أن كيري والديمقراطيين هم أفضل المرشحين، إذًا صوِّت لصالحهم”. 

لا توجد وسيلة لإثبات أن صدِّيقي كان يعني ما يقول في ذلك اليوم، رغم أنني أعتقد أنه عني ما قال. في كلتا الحالتين، كما أشار أوليفير روي، وهو أحد الطلاب الرئيسيين في مسلمي الغرب، “السياسة ليس لها علاقة تذكر مع الإخلاص”. الأهم من ذلك هو أن صدِّيقي والقادة المسلمين الآخرين يضغطون علنًا ​​مرة أخرى ضد نفس التيار المحافظ الذين عملوا قبل ذلك على تأصيله. لا يجب أن نتوهم أن آراءه التأسيسية قد تغيرت، ولكن صدِّيقي، مثل غيره من القادة، قد حاول محاولات يائسة لتحرير المسلمين من المأزق الذي قادهم إليه. 

بالعودة مرة أخرى إلى مقالته في إسلاميك هوريزونز عام 1986، ناقش صدّيقي الدعوة — ممارسة دعوة الآخرين لقبول الإسلام – بوصفها وسيلة محتملة للخروج من هذا المأزق. تشبه الدعوة عمليه التبشير المسيحي، رغم أنه من المهم ألا يغيب عن بالنا الدينامية الخاصة للإسلام المعاصر وتفوق العديد من أتباعه. يتناقش المسلمون حول الطبيعة الدقيقة للالتزام بالقيام بالدعوة، ولكن بسبب عدم وجود رجال دين مكلفين تحديدًا بالدعوة، ينظر المسلمون إلى ذلك، بطريقة أو بأخرى، على أنها مسؤولية كل فرد. قدم صدِّيقي في مقالته الدعوة على أنها التبرير الوحيد الممكن للحصول على إقامة دائمة في أمريكا. 

يخفق هؤلاء القادة – وكثير من نقادهم غير المسلمين – في الأخذ بعين الاعتبار كيفية تحقيق الدعوة من قبل مسلمين مقيدين داخل شرانق خاصة للحماية. كيف يمكن للمسلمين جذب غير المسلمين لفضائل الإسلام إذا لم يكن مسموحًا لهم بتناول الغداء معهم؟ كان أحد الردود المشروعة هو القيام بالدعوة في أوساط المسلمين الساقطين. ولكن هذا لن يؤدي إلا إلى تفاقم عزلة المسلمين عن المجتمع الأمريكي الأوسع. 

وهكذا بعد عقود من الدعوة لمزيد من التواصل مع غير المسلمين، ما زال القادة المسلمون عالقين في عادات تقوِّض أهدافهم المعلنة. على سبيل المثال، أتذكر مؤتمر الجمعية الإسلامية الأمريكية (MAS) السنوي المنعقد عام 2007 في فندق في ضواحي شيكاغو. تنظم المنظمات الإسلامية اجتماعاتها الكبيرة عادة خلال عطلات نهاية الأسبوع، وكذلك عطلة عيد الميلاد وعيد الفصح بغرض الاستفادة من انخفاض الأسعار. في هذه المناسبة، أدرك قادة الجمعية الإسلامية الأمريكية على نحو خاص الحاجة للوصول إلى غير المسلمين، ولكنهم أدركوا أيضًا أن عددًا قليلاً جدًا سيتواجد بين الحضور. وقام متحدث تلو الآخر بالحث على أن مؤتمر العام المقبل سيشهد مشاركة أكبر من غير المسلمين. وكما كشفت محادثاتي ومقابلاتي، فإن أكثر الجادين لم يدركوا أن هذا الهدف سيتطلب منهم أن لا يجتمعوا في ليلة عيد الميلاد. (في العام الماضي، عقدت الجمعية الإسلامية الأمريكية اجتماعها مرة أخرى خلال عطلة عيد الميلاد.) 

المنظمات الموازية للمساجد

تعد الجمعية الإسلامية الأمريكية واحدة من عدة منظمات وطنية تهيمن على الفضاء السياسي للاتجاه الإسلامي الأمريكي السائد. المنظمات الأخرى هي الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية (ISNA)، والمجلس الإسلامي للعلاقات العامة (MPAC)، والدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية (ICNA)، ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR). وكما يؤكد استطلاع أجرته مؤسسة غالوب مؤخرًا، لا يعتبر سوى شريحة صغيرة من المسلمين الأمريكيين (12 ٪ على الأكثر) أي واحدة من هذه المنظمات تمثل مصالحهم. ومع ذلك، فإن هذه الجماعات تقوم بتحديد وصياغة الأجندة الإسلامية الأمريكية وتتواجد في الحوارات مع النخب غير المسلمة في وسائل الإعلام والحكومة والأكاديميات. 

كما أشرنا أعلاه، بدأت كل هذه المنظمات الوطنية وتشكلت على أيدي الإسلاميين. ومع ذلك، فإنها تختلف في طرق الإعلان (وإن كانت تتجاهلها). أقدم وأكبر منظمة هي الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية، والتي تجتذب أكثر من 30.000 مسلم إلى مؤتمرها السنوي. ومع ذلك، تطورت الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية مع مرور السنين إلى مظلة لجميع الأغراض تفتقر إلى مهمة واضحة. ومن ثم فالأكثر أهمية أن ندرس الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية – وهما جماعتان صغيرتان ناشطتان تأسستا لغرض واضح وهو بناء حركة إسلامية في الولايات المتحدة – ثم نتحول إلى المنظمة الإسلامية الأمريكية الأحدث والأكثر إثارة للجدل، مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية. 

تتشابه منظمتا الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية بما فيه الكفاية على مدى العقد الماضي حتى أنهما كانتا تسعيان إلى اندماج تدريجي. هاتان المنظمتان المتوازيتان للمسجد تأسستا للتغلب على ضيق الأفق المعروف عن المساجد. بهذا المعنى، يمكن تشبيههما بجمعية الشبان المسيحيين التي لم يطق مؤسسيها البروتستانت أيضًا الطريقة التي استنزفت فيها التجمعات الفردية الطاقة التي كان من الممكن استخدامها في حركة توعية أكثر دينامية.

العضوية في الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية مفتوحة لكل من المساجد والأفراد. الأفراد، والمعروفين باسم “العمال الإسلاميين” هم على أهمية للبعثة، ويجتمعون كثيرًا في مجموعات صغيرة متماسكة بإحكام تسمى الأسرة للدراسة والمناقشة والتوعية. وتشمل قوائم قراءاتهم حتمًا القليل من المؤلفات الغربية، ولكن يكون التركيز على المؤلفين الإسلاميين الشرعيين: أبو علاء المودودي، مؤسس الحزب الإسلامي الباكستاني، جماعة الإسلام؛ وحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ وسيد قطب، مُنظِّر إسلامي وشهيد؛ ويوسف القرضاوي، عالم إسلامي معاصر. 

ومع ذلك تختلف الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية في طرقهما اختلافًا كبيرًا، الأمر الذي يساعد على تفسير أسباب توقع فشل اندماجهما. انبثقت الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية من الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية في عام 1974، عندما عقدت مجموعة من الهنود الباكستانيين مؤتمرًا حزبيًا لتشكيل منظمة خاصة بهم. وعلى مدار عدة سنوات، كانت اجتماعات الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية تُعقد جميعها باللغة الأردية لتعكس طبيعة عضوية الجماعة المهاجرة. أما اليوم فتبرم الأعمال التجارية باللغة الإنجليزية، ولكن يتخلل التجمعات الكبيرة بلا شك جلسات باللغة الأردية ولغات إقليمية أخرى. عملت الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية منذ نشأتها على تكوين روابط مباشرة مع جماعة الإسلام، وفي أوائل تسعينات القرن العشرين كتب أحد الشخصيات المطلعة البارزة أن هذا الحزب الإسلامي يسيطر على الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية. تبدو هذه الرابطة اليوم أكثر ضعفًا بكثير. 

على النقيض من ذلك، يرجع أصل الجمعية الإسلامية الأمريكية مباشرةً إلى جماعة الإخوان المسلمين، وغالبية أعضائها من العرب. ظلت الجمعية الإسلامية الأمريكية لعدة سنوات منظمة غير مستقلة ولكن شبكة من المؤسسات الفرعية التابعة لمنظمات الإخوان في مصر وتونس ولبنان ودول عربية أخرى. ونظرًا لتركيز هذه الجماعات على التطورات في الوطن الأصلي افتقرت إلى التنسيق وكثيرًا ما كانت على خلاف فيما بينها. تسعى جماعة الإخوان في مصر دوريًا لفرض النظام من خلال وسطاء مرسلين إلى الولايات المتحدة. مع مرور الوقت، اجتمعت هذه الجماعات معًا وشكلت الجمعية الإسلامية الأمريكية في عام 1992، مما جعلها منظمة أحدث بكثير من الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية. وحتى ذلك الوقت كانت هذه الشبكات تعمل سرًا في أمريكا، الأمر الذي يدل على العادات المتبعة للتهرب من أجهزة الاستخبارات في الوطن الأصلي، حيث يظل الرفقاء والعائلات عرضة للخطر. نتيجة لذلك لم تقم الجمعية الإسلامية الأمريكية وما سبقها من منظمات بالتبشير – وحتى اليوم، بعد مرور 20 عامًا تقريبًا على ظهورها علنًا، فإنها ما زالت لا تركز على الدعوة. 

من ناحية أخرى، عملت الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية دائمًا علانية ​​في أمريكا، تمامًا كما عملت جماعة الإسلام في باكستان. وهكذا انخرطت الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية في الدعوة، لاسيما بين غير المسلمين. يتنافس عمالها لنشر الإيمان، ومن الواضح أنها أكثر انشغالاً بالدعوة عن أي منظمة من منظمات التيار الإسلامي السائد. في الواقع، المرة الوحيدة التي تم الضغط فيها عليَّ للتحول إلى الإسلام كانت من قبل طبيب شاب، وهو مهاجر من الهند ويعمل في عيادة صحية ترعاها الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية في شيكاغو. 

هذا التركيز على الدعوة أدى إلى التزام الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية بتوفير الخدمات الاجتماعية للعائلات التي تكافح سواء من المسلمين أو غير المسلمين على حد سواء. يوجد المقر الوطني للمنظمة منذ فترة طويلة في جامايكا، كوينز، حيث يتم تخصيص الكثير من مواردها لمساعدة الجيران، بما في ذلك العديد من الأمريكيين الأفارقة. في الواقع، ترتبط الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية بعلاقات قوية خاصة مع السود الأمريكيين الذين يتواجدون بشكل ملحوظ في جلسات المنظمة ومؤتمراتها. وفي السياق نفسه، انخرطت الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية منذ فترة طويلة في مجال الدعوة بين السجناء. ليس للجمعية الإسلامية الأمريكية التزام واضح مثل هذا.

أنشأت الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية أيضًا مبادرة وسيلة إعلامية وهي SoundVision، التي تدير مكتبات وتنتج أشرطة الفيديو عن موضوعات تتنوع بين حياة النبي وممارسة الجنس في سن المراهقة. في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، أنشأت الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية خطًا ساخنًا – 877-WHY-ISLAM – لتعريف غير المسلمين بالدين الإسلامي. وفي الآونة الأخيرة، قامت المنظمة برعاية حملة إعلانية سنوية في أنظمة النقل في نيويورك ومدن أخرى. أمثلة من الرسائل النموذجية التي توضع على جوانب الحافلات هي: “لماذا يعتنق الكثير من الناس أمثالكم الإسلام؟” أو “الإسلام هو الاستسلام لله”. تكشف هذه الجهود عن التزام الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية بالدعوة، فضلاً عن سذاجتها، لأن قادتها لا يقدرون مدى الاستفزاز والتهديد الذين قد تسببهما مثل هذه الحملات لغير المسلمين.

هناك مفارقة كبيرة في التناقض بين التوعية المتواصلة التي تقدمها الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية لغير المسلمين والروح المؤسسية، وهي ضيقة وجامدة بشكل لافت للنظر، ولاسيما عند مقارنتها مع الجمعية الإسلامية الأمريكية والمنظمات الرئيسية الأخرى. على سبيل المثال، يصادف المرء عددًا أكبر من المنقبات والمحجبات (على الرغم من أن عددهن قليل نسبيًا من حيث القيمة المطلقة) في تجمعات الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية عما يصادفه في مؤتمرات الجمعية الإسلامية الأمريكية والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية. الأكثر وضوحًا هو الفصل بين الجنسين: فبالإضافة لوجود جناح للأخوات، تعقد الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية “جلسات منفصلة للأخوات” في مؤتمراتها، وفي الجلسات المشتركة تفرض أماكن منفصلة للجلوس وترتيبات أخرى أكثر حساسية مما تقوم به المنظمات الأخرى. عندما تم انتخاب امرأة رئيسًا للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية قبل بضع سنوات، علق أحد قادة الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية وقال لي “سيستغرق الأمر وقتًا طويلاً جدًا قبل أن ترأس امرأة الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية” 

يُظهر قادة الجمعية الإسلامية الأمريكية تحفظًا مماثلاً، ولكن في وجود بعض من الانحياز للنظرية العالمية أيضًا، ويعبرون عن ازدرائهم بالنهج الساذج للدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية في الدعوة أو ينتقدون الفصل الصارم بين الجنسين. بصفة عامة، يجد المرء انفتاح أكبر داخل الجمعية الإسلامية الأمريكية على الثقافة الأمريكية، وخاصة الثقافة الشعبية، مما هو عليه الحال في الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية. على سبيل المثال، في محاضرة حول العلاقات بين الجنسين لطلاب الجامعات برعاية منظمة منطقة باي التابعة للجمعية الإسلامية الأمريكية، أوضح المتحدث أنه ليس إلزاميًا على الإطلاق أن ترتدي المرأة المسلمة الحجاب، وقال أن المواعدة لا تخالف بالضرورة الشريعة الإسلامية. وقال أن ما يطلبه الإسلام هو علاقات لائقة ومحترمة بين الجنسين، استنادًا إلى فهم اختلافاتهم العاطفية والمادية الحاسمة. لتحقيق هذه الغاية، حث المتحدث مستمعيه الشباب على قراءة اللغوي ديبورا تانين حول الفروق بين الجنسين في اللغة. 

بعد ذلك كان هناك جولة وطنية لموسيقى الهيب هوب برعاية الجمعية الإسلامية الأمريكية في صيف عام 2007. ضمت الجولة فرقة أوتلاندش (تتألف من اثنين من المسلمين المولودين في الدانمارك وكاثوليكي هندوراسي) وكانت محاولة من جانب بعض قادة الجمعية الإسلامية الأمريكية للوصول إلى شبابهم. وأثبتت التجربة أنها مثار جدل، في حفل مانهاتن الذي حضرته، عندما بدأ عشرات من المراهقين المسلمين التحرك على الموسيقى بطريقة تشبه كثيرًا الرقص، والذي لا يتغاضى المسلمون عادةً عنه. ومع فشل الجولة حتى في جني الأرباح، أثارت عداء المحافظين داخل الجمعية الإسلامية الأمريكية، وترك رعاة الجولة المنظمة في نهاية المطاف. عندما رويت هذه الحادثة لأحد المسؤولين في الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية، رفض ذلك وأعلن أنه لم يكن ليحدث شيء مماثل من قبل منظمته أبدًا. 

ركود وتغير

على الرغم من هذه الاختلافات، تشترك الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية في نفس الأيديولوجية الإسلامية الأساسية وتضعا نفس القدر من التركيز على عمل الأُسر. كما تنظمان مؤتمرات إقليمية ووطنية مشابهة. في الواقع، كانت الخطوة الأكثر وضوحًا في اتجاه الاندماج بين الجماعتين هي رعايتهما المشتركة للمؤتمرات السنوية الخاصة بهما – وهي أحداث تجذب ما بين 5000 و 10000 مسلمًا وتشبه أيضًا (في الشكل وإن لم يكن في الحجم) المؤتمرات السنوية الضخمة التي تعقدها الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية. 

بالنسبة لمراقب غير مسلم، ربما الجانب الأكثر وضوحًا في هذه التجمعات هو الغياب الكامل لأي ارتباط معترف به مع الولايات المتحدة. وبينما تجد منظمات المهاجرين عادةً طرق لإثبات ولائها للبلاد التي هاجرت إليها، لا تقوم الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية بذلك. لا يؤدي أحد الولاء للعلم، ولا يوجد في الواقع أي أعلام في المشهد. (وهذا ينطبق أيضًا على المدارس الإسلامية النموذجية). عندما حضرت مؤتمر الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية في عطلة نهاية الأسبوع في الرابع من يوليو، لم أسمع ولو كلمة عن أهمية هذا اليوم في التاريخ الأمريكي. تم حث رواد المؤتمر بشكل روتيني على الاحتشاد والتصويت على إلغاء قانون مكافحة الإرهاب وحماية حقوقهم المدنية، ولكن لم يتم حثهم على الأخذ بعين الاعتبار الواجبات التي يفهمها غيرهم من المواطنين الأمريكيين عادةً على أنها شروط للمواطنة. 

قد يعكس عدم وجود أي عرض علني للتعبير عن الولاء لأمريكا في جزء منه عن الازدراء الذي تعبر عنه النخب غير المسلمة تجاه الوطنية والدولة القومية، والذي يميل إلى أن ينظر إليه على أنه قد عفا عليه الزمن أو غير ضروري أو خطير. ومع القضاء على الخدمة الإلزامية واعتمادنا على قوات مسلحة مهنية، أصبحت الرسالة المرسلة إلى جماعات المهاجرين الأولى عن أهمية الخدمة العسكرية باعتبارها وسيلة لإظهار الولاء لأمريكا أضعف بكثير. 

علاوة على ذلك، فإن غياب واجبات معترف بها تجاه أمريكا يعزى مباشرةً أيضًا إلى الأيديولوجية الإسلامية. على سبيل المثال، لم ينبذ قط قادة هذه المنظمات صراحة الخلافة – وهو الحلم باستعادة هيمنة نظام إسلامي يحكمه فرد يعتقد أنه خليفة الله. عدم رفض هذه الفكرة يولد ارتباك واضح بين كثير من المسلمين الأمريكيين، ولاسيما الشباب. وبالمثل، فإن الاستدعاء الروتيني لمفهوم الأمة – أي المجتمع العالمي للمسلمين الذي يتجاوز كل الحواجز العرقية والإثنية والقومية – يشجع التناقض، ويعزز الميل السائد بالفعل لتجنب الخدمة العسكرية، أو معارضة أي استخدام للقوة الأمريكية في البلدان المسلمة. 

ما يثير الدهشة بنفس القدر هو حقيقة أن الغالبية العظمى من الناس الذين يحضرون مثل هذه اللقاءات يفعلون ذلك لأسباب غير أيديولوجية. الجلسات الموضوعية عادة ما تكون خلفية يتواصل فيها العائلات بأكملها – الآباء والأمهات والأطفال والأجداد – مع الأصدقاء القدامى والزملاء، في كثير من الأحيان على أمل العثور على شركاء زواج مناسبين للشباب والشابات. يشير المسلمون المتحفظون إلى هذه اللقاءات والاجتماعات على أنها “أسواق لحوم”، ومن السهل أن نعرف السبب، فالفتيات المراهقات يرتدين الحجاب العصري – مع الجينز الضيق والأظافر المطلية أحيانًا – يتجولن للتعرف على الفتيان، الذين بالطبع يبادلونهن الإطراء. 

تعبر الأجيال ممرات في بازارات المؤتمرات، حيث يبيع عشرات من التجار والمؤسسات غير الربحية المواد الغذائية الحلال والملابس العرقية والرهون العقارية والاستثمارات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والمواد التعليمية للأطفال واشتراكات القنوات الفضائية وأشرطة الفيديو الدينية والكتب. ويقدم آخرون معلومات حول الجمعيات الخيرية الإسلامية التي تعمل هنا وفي الخارج، وجماعات الدفاع والسياسية وأحيانا ضابط تجنيد من مكتب التحقيقات الفيدرالي أو وزارة الأمن الداخلي. 

على الرغم من هذه الرفقة والتجارة، يكون الغرض الرسمي للمؤتمر هو عقد جلسات عامة وحلقات نقاش وورش العمل حيث يتحدث “العلماء” عن موضوعات تتراوح بين المفاهيم القرآنية للجهاد وحتى حث الآباء على المزيد من المشاركة في تربية الأطفال. يستخدم مصطلح “عالم” بشكل عشوائي لوصف أي شخص يفترض أنه يخاطب مثل هذه التجمعات. قد يكون المتحدث مدرسًا في مدرسة ثانوية يتحدث عن ثقافة الشباب الأمريكي، أو ناشطًا سياسيًا يدين قانون مكافحة الإرهاب، أو إمامًا يحمل شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد ويناقش ما يقوله القرآن عن الزواج. في الإسلام التقليدي مصطلح “عالم” هو لقب تشريفي يعكس احترامًا متأصلاً بعمق للتعليم الديني. ويمثل تحديًا بين الإسلاميين لسلطة من هذا القبيل، ورغبة لسماع تفسير الإسلام من قبل أفراد لا يحملون تدريبًا دينيًا معترفًا به. 

على أي حال، فإن نفس الأفراد يتحدثون في كل هذه الفاعليات، وتكون عروضهم دائمًا مملة ومتحذلقة، وخصوصًا عندما يتناولون المواضيع الدينية. نظرًا لمعرفتهم الضمنية بالمشكلة، يدعو المنظمون بشكل روتيني عدد قليل من المسلمين الأمريكيين الأفارقة الموثوق بهم، الذين يجمعون بين الموضوعات الإسلامية ونمط شخصية تبشيرية لها جاذبية خاصة بالنسبة للشباب المسلمين الذين نشأوا هنا. لسوء الحظ، يميل هؤلاء المتحدثون أيضًا إلى الإعراب عن اغترابهم عن أمريكا.

ومن المفارقة أن هاتين المنظمتين – اللتين تأسستا لدفع الحركة الإسلامية لتجاوز جمود وتقوقع المساجد – أصبحتا غارقتان في مهمة استهلاكية لتقديم جميع الفاعليات التي يمكن التنبؤ بها. وكما أوضح أحد المطلعين عن المشكلة الناتجة قائلاً “ليس لدينا قادة، لدينا مدراء. لدينا متحدثون”. 

لكن هذا الركود التنظيمي العميق لم يكن دائمًا واضحًا للمراقبين في الخارج، وذلك جزئيًا بسبب العديد من التغييرات السطحية التي حدثت في السنوات الأخيرة. كما ذكرنا أعلاه، سعى القادة المسلمون خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين لتكييف أيديولوجيتهم الإسلامية مع الحياة الأمريكية من خلال حث المسلمين على تكوين علاقات حميمة مع الجيران وزملاء العمل وفي الوقت نفسه يرفضون القيم الأمريكية تمامًا ويشجعون الجهود المبذولة لتحويل غير المسلمين. كانت النتيجة هي ظهور “القلاع الإسلامية”، والتي أصبح قصورها واضحًا للجميع ولكن الأكثر قسوة في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. منذ ذلك الحين، سعى القادة لمزيد من التكيف، وحثوا المسلمين على تأمين حقوقهم كمواطنين أمريكيين من خلال الانخراط الكامل في الحياة المدنية والسياسية. ولكن لم يوفّق هؤلاء القادة بين هذه التعديلات والأيديولوجية الإسلامية التي استمروا في الدفاع عنها، أو أنهم لم ينبذوها على الأقل. 

من الصعب فهم كيفية إدارة هؤلاء القادة والجماعات لهذا الموقف. لا يمكن استبعاد الخداع والإخفاء، ولكن لا يقدم هذان الأمران تفسيرًا مرضيًا. العاملان الأكثر احتمالاً هما العادة والارتباط بالتقاليد. فكثير من المسلمين، حتى أولئك الذين ليسوا إسلاميين، يعتبرون شخصيات مثل سيد قطب والبنا ببساطة جزء من تراثهم. ومن المبادئ الهامة الملقنة هو تبجيل هذين الشخصين كشهداء. ثمة عامل آخر وهو الانتهازية الواضحة من جانب القادة المشاركين، والتي تجسدها جماعة الإخوان المسلمين حيثما يتم دراستها عن كثب. وفقًا لأحد القادة المسلمين السابقين، النتيجة هي أن زملاءه “يرفضون التعامل مع شؤونهم”. 

التأثير الخارجي

مكانة الأيديولوجية الإسلامية في الحياة المعاصرة للمسلمين الأمريكيين هي بالتالي أكثر تعقيدًا مما يكشف عنها منتقديها. ولكن ماذا عن الموضوع الآخر المشترك بين النقاد وهو تأثير المسلمين الأجانب على الأمريكيين الذين يدينون بنفس ديانتهم؟ كما أشرنا فيما سبق، كان هناك اتصال كبير بين الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية وزملائهما الإسلاميين في باكستان ومصر وأماكن أخرى. ولكن يبدو أن هذه العلاقات تقلصت مع مرور الزمن.

حتى المحللون النقديون لجماعة الإخوان المسلمين يقللون من نفوذ القادة المصريين على المنظمات التابعة للجماعة في أوروبا وأمريكا، ويؤكدون أن أمريكا تستجيب بالأكثر للديناميات السياسية المحلية.

يتبين مع الفحص الدقيق أن التأثير الأكبر هو تأثير السعوديين، الذين أنفقوا الملايين على المبادرات في الولايات المتحدة، مثل توزيع المصاحف والكتب الأخرى ورواتب الأئمة والإسهام في بناء المساجد والمدارس والتمويل السخي للدراسات والإدارات الأخرى المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية. بنى السعوديون في لوس أنجلوس مسجد الملك فهد الفخم وحافظوا عليه. وهيمنت الأكاديمية الإسلامية السعودية في ولاية فرجينيا الشمالية، والتي تمولها وتديرها الحكومة السعودية، على التعليم الإسلامي في عاصمة الأمة منذ سنوات. وساهم السعوديون ماليًا في مبادرات الإخوان المسلمين في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة. 

ولكن كل هذه الأموال لم تمنح السعوديين الكثير من الدعم وحسن النية مثلما يميل النقاد إلى الاعتقاد. بل على العكس، انتقد القادة المسلمون في كثير من الأحيان، سرًا وفي بعض المناسبات علنًا​​، الجهود الخارقة التي يبذلها السعوديين للتلاعب بهم. تبنت منظمة واحدة رئيسية على الأقل وهي المجلس الإسلامي للعلاقات العامة منذ فترة طويلة سياسة رفض قبول أي دعم من الخارج؛ وأعرب مؤسسها، ماهر حتحوت، عن حزنه تحديدًا على تأثير السعوديين على المساجد الأمريكية. 

حدث أكبر صدع في عامي 1990 و1991 بسبب نشر القوات الأمريكية بدعم سعودي في منطقة الخليج العربي في عملية عاصفة الصحراء. واعتمد السعوديون بقوة على كافة المنظمات الإسلامية الأمريكية الكبرى للتنديد بغزو صدام حسين للكويت وضمها. ولكن لم يكن هذا الجهد مكللاً بالنجاح: في الواقع، رفضت جميع هذه المنظمات أن تدعم السعوديين. وكان هذا الرد أساسًا منسوب لعلاقات القادة مع جماعة الإخوان المسلمين، التي تؤيد معظم منظماتها صدام حسين (الذي كان قد نصّب نفسه كبطل الفلسطينيين ومنظمة التحرير الفلسطينية). ودعمت المنظمات الكويتية والعراقية التابعة لجماعة الإخوان فقط الغزو الأمريكي للعراق لأسباب واضحة. ومع ذلك، فما يكاد يثلج الصدر من وجهة النظر الأمريكية أن هذه القصة تؤكد حقيقة أن مصالح المسلمين هنا لا تلتقي دائمًا مع مصالح المتبرعين الخارجيين – وحتى السعوديين منهم.

ومع ذلك، حقق السعوديون بالفعل نجاحًا وكان نجاحًا واضحًا. كانت المنظمة الإسلامية الوحيدة التي دعمت عملية عاصفة الصحراء هي الجمعية الإسلامية الأمريكية، وهي جماعة من الأمريكيين الأفارقة برئاسة والاس د. محمد، نجل إليجا محمد مؤسس حركة أمة الإسلام. وعلى مدى فترة طويلة منذ رفضه لأسلوب والده العنصري والمعادي للولايات المتحدة، انجذب و. د. محمد إلى الموقف السعودي وذلك لسببين. أولاً، كان يعتمد على السعوديين لإعلان شرعيته أنه مسلم سني حقيقي وكذلك لتوفير الدعم المالي. ثانيًا، كان وطنيًا قويًا على استعداد لدعم مسعى تقوده الولايات المتحدة في الخارج. هذه الحادثة تلقي الضوء على حقيقة أن التأثير السعودي على الأمريكيين لا يتخذ بالكاد شكلاً موحدًا: ورغم عدم الإشارة لهذا التأثير على نطاق واسع، فقد كان أكبر على المسلمين الأمريكيين الأفارقة منه على أولئك الذين ينتمون لأصول مهاجرة. و. د. محمد هو مثال معتدل، ولكن بالنسبة لبعض الأمريكيين الأفارقة الآخرين فإن الإسلام — وخاصة التيار السلفي الذي تدعمه السعودية – يعزز الشعور العميق بالاغتراب. وكما كتب سهيل الغنوشي قائد الجمعية الإسلامية الأمريكية السابق: “بشَّر القادة المهاجرون بنسخة من الإسلام جعلت العديد من المسلمين الأمريكيين الأفارقة يشعرون أنهم مثل الأجانب في بلدهم”. 

من الواضح أن التأثيرات الخارجية على المسلمين في أمريكا محدودة ومشروطة بالديناميات الاجتماعية والسياسية الداخلية. ظهر أحد الأمثلة البارزة على السطح حول هذه الديناميات في مؤتمر الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية بعد أقل من مرور عامين على أحداث الحادي عشر من سبتمبر. في إحدى الجلسات الصباحية، استقل أحد قادة الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية المنصة وألقى خطابًا غير مقررًا في برنامج المؤتمر حول القرآن الكريم، وهي طبعة جميلة بغلاف مقوى مترجمة لعدة لغات يوقعها ويوزعها السعوديين في جميع أنحاء العالم مجانًا. ولكن كان المتحدث هنا ينتقد هذه النسخة من القرآن الكريم، ولا يمتدحها. وأشار إلى أن التعليقات الواردة بالحواشي تتضمن أوصافًا مهينة للمسيحيين واليهود، ولم يحذفها السعوديون على الرغم من الاحتجاجات المتكررة المقدمة من الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية على مدى عدة سنوات. وذكر المتحدث أن العديد من “المسلمين الصالحين” الذين لا يحملون ضغائن تجاه المسيحيين واليهود لم يأخذوا مثل هذه الإساءات على محمل الجد. ثم قال لمستمعيه: “إذا رأيتم نسخًا من هذه الطبعة للقرآن، فقوموا بشرائها وتدميرها. فهي سلاح من أسلحة الدمار الشامل”. 

جاء استقبال هذه التعليقات مختلطًا. فوسط ألف أو نحو ذلك من المسلمين المجتمعين في الغرفة كان هناك قدرًا كبيرًا من التململ والتذمر مخفي وراء المظاهر المهذبة. وفي محادثات ذلك اليوم فيما بعد، سمعت قدرًا كبيرًا من الانزعاج نتيجة مثل هذه الانتقادات الموجهة للسعوديين. وبعد أسابيع قليلة، تقابلت مع المتحدث وعلقت بأنه لم يسبق لي أن سمعت مثل هذا التوبيخ الحاد علانية للسعوديين من قبل زعيم أمريكي مسلم. ثم سألته إذا كان قد أدلى بتعليقات من هذا القبيل خارج حدود منظمته. وكان رده فعله السريع: “بالطبع لا، أنا أنشئ جمهور من الناخبين هنا!” 

سياسة الهوية

كما رأينا، أحد التحديات الرئيسية التي تواجه القادة المسلمين الحريصين على إنشاء دوائر انتخابية هو التغلب على مصادر الانقسام بين مجموعة من الجماعات التي تشكل المجتمع. قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كانت إحدى الوسائل للجميع بين هذه الانقسامات هو الدفاع عن القضية الفلسطينية. نجحت هذه الإستراتيجية في بعض الأحيان، ولكن المسألة كانت مشحونة عمومًا بالخلاف لدرجة يصعب معها تعزيز تلاحم حقيقي. منذ أحداث سبتمبر وما نتج عنه من فحص خضع له المسلمين منذ وقوع الهجمات، برزت الحقوق المدنية كالأداة الأقوى في يد القادة لحشد وتوحيد أتباعهم. وباتت التحديات الكامنة في كلا النهجين واضحة عند النظر إلى المنظمة الإسلامية الأمريكية الأكثر وضوحًا والأسوأ سمعة – وهو مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية. 

تأسس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في عام 1994 على يد اثنين من الفلسطينيين – عمر أحمد ونهاد عوض – الذين جاءا إلى أمريكا كطالبين جامعيين. قبل التفكير في مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، كان أحمد وعوض ناشطين في الرابطة الإسلامية لفلسطين (IAP)، التي تأسست عام 1981 من قبل جماعة الإخوان المسلمين لتعزيز القضية الفلسطينية. وحتى زوال الرابطة الإسلامية لفلسطين في عام 2004، كانت على علاقة وثيقة مع حركة حماس، وتقوم بجمع الأموال للجماعة الإرهابية وتنشر موادها في أمريكا. 

جاءت فكرة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية عن اجتماع سيئ السمعة عُقد في فيلادلفيا عام 1993 على يد منظمة أخرى تابعة لجماعة الإخوان، ولجنة فلسطين. كانت السنوات الأولى من تسعينات القرن العشرين سنوات مضطربة لجماعة الإخوان المسلمين والإسلاميين الفلسطينيين: دعمهم لصدام حسين في حرب الخليج عام 1991 دفع المساندين لهم في السعودية لتحويل النظر عنهم. وكلفهم انهيار الاتحاد السوفيتي خسارة راعٍ آخر. كما نتج عن اتفاقيات أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، والتي وُقعت في سبتمبر 1993، ليس فقط تهديد هدف حماس المعلن في القضاء على دولة إسرائيل، ولكن منحت الشرعية لمنافستها العلمانية. 

وبانعقاد اجتماع فيلادلفيا بعد أسابيع قليلة من التوقيع على اتفاقيات أوسلو، تصور أحمد وعوض وزملاؤهم منظمة من شأنها إشراك المجتمع الأوسع من المسلمين في أمريكا — وليس الفلسطينيين فقط — للعمل ضد الاتفاقيات، عن طريق جمع الأموال من أجل النضال الفلسطيني وتشجيع المسلمين للانخراط بشكل أكبر في السياسة الأمريكية. كان يخططون لحملة واسعة للتأثير على وسائل الإعلام الأمريكية والرأي العام والسياسة في نهاية المطاف. وبعد مرور عام، تم افتتاح مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية – وهو ثمرة مباشرة لجماعة الإخوان المسلمين الفلسطينية وحماس – للأعمال التجارية في واشنطن العاصمة. 

من المدهش، بعد هذا العرض التاريخي، أن نجد وسائل الإعلام الأمريكية السائدة تصف بشكل روتيني مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية على أنه “منظمة الحقوق المدنية للمسلمين”. الشيء الذي يقوم به قادة مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية هو نفي أصول المنظمة بطريقة شعائرية والتعتيم عليها؛ والشيء المختلف الآخر الذي تقوم به النخب الأكاديمية والسياسية الإعلامية في أمريكا هو تجاهلهم بشكل منهجي. 

ومع ذلك، هناك اثنان من الاستثناءات البارزة. الأول هو مكتب التحقيقات الفدرالي. بعد معركة قانونية طويلة وصعبة، نجحت إدارة بوش في محاكمة مؤسسة الأرض المقدسة، وهي جبهة تابعة لحماس مقرها تكساس لجمع التبرعات والتي ارتبط بها أحمد وعوض بوضوح. كان مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية شريك غير متهم في هذه القضية؛ ونتيجة لذلك، علّق مكتب التحقيقات الفيدرالي في نهاية المطاف الاتصال الرسمي مع الجماعة. 

الاستثناء الثاني هو الصحفيون التحقيقيون المذكورين سابقًا. هؤلاء النقاد الذين لا يعرفون الكلل يسارعون إلى الفراغ الذي تركته النخب المتحفظة، لكنهم لا يملئونه تمامًا. ومع تعود هؤلاء النقاد على إعادة تدوير نفس الحقائق القديمة فهم يخفقون في التراجع للوراء للنظر في الصورة الأكبر. وإذا فعلوا هذا، فإنهم يرون أن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية قد تكيف في نواحٍ كثيرة مع الثقافة السياسية الأمريكية، وأن هذه العملية من الأمركة جعلت مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية أقوى بكثير من غيرها من الجماعات الإسلامية الأمريكية البارزة. في الواقع، بينما تفيد تقارير مؤسسة غالوب أن 12٪ فقط من المسلمين ينظرون إلى مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية على أنه يمثل مصالحهم، فإن هذا الرقم هو أعلى من الأرقام الأخرى التي أيدت أي منظمة إسلامية أمريكية أخرى.

منذ وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر، برز مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية كأبرز مدافع عن المسلمين الأمريكيين. ومثل غيره من جماعات الدفاع المنتشرة عبر أمريكا، تهيمن جهوده وأخلاقياته بسبب وجود مقره الرئيسي في واشنطن، حيث يعمل طاقم من الموظفين المحترفين بدوام كامل بتوجيه من رواد أعمال سياسيين بارعين في تحديد الأسباب القادرة على توليد مساهمات من الداعمين الموزعين على نطاق واسع. بعبارة أخرى، مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية هو “منظمة دفتر شيكات”: لا ينضم له الأعضاء من خلال علاقات الصداقة الدائمة أو التضامن الاجتماعي، وإنما من خلال التزاماهم بأهدافه المحددة. ومثلما تصعد وتهبط هذه الالتزامات حتمًا، ينضم الأعضاء ويبتعدون بشكل روتيني. ومن أجل الحفاظ على تقدم “المِمخَضَة” والتمسك بالأعضاء الحاليين واجتذاب أعضاء جدد، يجب أن يبرهن المقر الرئيسي باستمرار على فعاليته من خلال الدعاوى القضائية، والتغيرات في القواعد الإدارية، والدراسات، وشهادته أمام الكونغرس – وأي إنجازات يمكن أن ترسل إلى الأعضاء من خلال النشرات الإخبارية الإلكترونية والبريد الإلكتروني ووسائل الإعلام. 

ونظرًا لتكاليف البدء الكبيرة، تعتمد جماعات الدفاع على الرعاة الأثرياء، وهم غالبًا مؤسسات. منذ أن رغبت القليل من المؤسسات في المخاطرة بالإعفاء الضريبي الخاص بها على دعاوي الدفاع الموالية للمسلمين، اعتمد مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية جزئيًا على مؤسسة الأرض المقدسة. يأتي الدعم الآخر من مصادر سعودية وخليجية مختلفة، مما يجعل من شبه المؤكد أن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية يعتمد بشكل أكبر على التمويل من الخارج أكثر من أي منظمة إسلامية أمريكية رئيسية أخرى. 

منذ البداية، حدد مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية مهمته في التنديد بالتحيز ضد المسلمين. وجاءت انطلاقته في عام 1995 عندما نشر مضايقات وجرائم كراهية ضد المسلمين في أعقاب التفجير الذي حدث في مدينة أوكلاهوما. شن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية أيضًا حربًا على الإساءات الواضحة ضد النبي محمد من قبل سايمون اند شوستر وأخبار الولايات المتحدة. وجاء انتصار المنظمة المبكر الأكثر وضوحا ضد شركة نايك عام 1998، عندما نسقت احتجاجًا عالميًا ضد مجموعة من الأحذية الرياضية كان يمكن فهم شعارها بالخطأ على أنه الكتابة العربية لكلمة “الله”. بشكل أعم، حثّ مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية المسلمين المهاجرين ليصبحوا مواطنين، وشجع المسلمين الأمريكيين للتسجيل والتصويت، والضغط على المسؤولين المنتخبين، والمطالبة بحقوقهم. للوصول لهذه الغاية، تؤدي المنظمة تحية العَلَم حرفيًا: وخلافًا لكل من الدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية، فإن المجلس يرفع العلم في الفاعليات التي ينظمها، ويخصص كتيبه عن الكونغرس الأمريكي صفحات عدة للآداب الصحيحة للتعامل مع العَلَم. يحتوي هذا المنشور أيضًا على النص الكامل لقسم الولاء، وإعلان الاستقلال، ودستور الولايات المتحدة، والأربعة مقاطع الشعرية للراية المزينة بالنجوم. 

وبذلك تغلّب مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية على الكثير من القيود، سواء التنظيمية والأيديولوجية، الخاصة الجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية والدائرة الإسلامية لأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية الأمريكية. وخلافًا لهذه المنظمات، فليس لمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية جذور واضحة في شبكات المهاجرين. ولا يشترك أعضاؤه في الأسر أو مثيلاتها من المجموعات الصغيرة المكثفة. لا يشترك مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في التطوير الديني لأعضائه، ومن بينهم مجموعة متنوعة من شباب الجيل الثاني من المسلمين الأمريكيين المثقفين. بهذه الطرق، يتجاوز مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية الحدود العرقية التي تحدد الجماعات الأخرى وهو بذلك يشكل أول منظمة إسلامية أمريكية حقيقية. 

لا ينغمس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في مستنقعات التخطيط لإقامة مؤتمرات سنوية. ولأنه لا يعتمد على الشبكات الاجتماعية التي تتطلب التجديد المستمر، فلا يضطر مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية إلى استضافة “أسواق اللحوم” للعائلات ولا البازارات للتجار ولا حلقات نقاش للعلماء. تقيم المنظمة وليمة سنوية في واشنطن مع النداء المعتاد لجمع التبرعات بعد العشاء، ولكن هذا بعيد كل البعد عن التجمعات الكبيرة التي هي الشغل الشاغل على مدار السنة للجماعات الأخرى. 

ما زال يبحث أعضاء مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، كما يحدث عادة في منظمات الدفاع، في نهاية المطاف عن بعضهم بعضًا وتنظيم فروع محلية. ورحب مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية الوطني بهذه المنظمات الفرعية الإقليمية، ومنحها امتيازات كبيرة من الاستقلالية مثل الامتيازات المحلية بمجالس إداراتها وموظفيها ومواقعها على شبكة الإنترنت. وقد منحت هذه الاستجابة التفويضية للعفوية الشعبية مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية دينامية ورؤية أكبر، لاسيما في الفترة الحاسمة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. لكنها أدت أيضًا إلى تحديات جديدة. 

قامت الفروع الإقليمية مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية في شيكاغو في السنوات الأخيرة بتوظيف المحامين من اجل رفع دعاوي عن شكاوى الحقوق المدنية، الأمر الذي لم يقم به مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية الوطني. شمل تدفق طلاب الجامعة كمتدربين ومتطوعين في الفروع المحلية أعدادًا كبيرة من النساء، من بينهن من ترتدي الحجاب وأخريات لا ترتدنه. هذه علامة من علامات كثيرة على أن المنظمات الفرعية الإقليمية هي أقل تشددًا من مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية الوطني، حيث يتم فرض ارتداء الحجاب. في الواقع، يمكن سماع بعض القادة الإقليميين ينتقون نفوذ الإسلاميين في مقر واشنطن، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. 

عملت مثل هذه المبادرات المحلية على تفاقم التوترات الطويلة داخل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية بين أولئك الأعضاء الذين يركزون على احتياجات المسلمين هنا في أمريكا وأولئك الذين يركزون على التطورات في الخارج، وخصوصًا بناء الدعم للفلسطينيين ولحركة حماس. من الناحية النظرية، تأسس مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية لحشد المسلمين في أمريكا لصالح الفلسطينيين وحماس. أغضبت هذه التوترات مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية الوطني لبعض الوقت، وفي عام 2007 وصلت التوترات إلى ذروتها في معركة داخلية مطولة تجاهلها إلى حد كبير نقاد هذه المنظمة الكثيرين. أسفرت تلك المعركة عن هزيمة الفريق الذي يدعم الخارج، بقيادة عمر أحمد، الذي انسحب فعليًا من أي دور آخر في المنظمة التي كان قد ساعد في إنشائها. 

وبالتالي برز مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، على الصعيدين الوطني والإقليمي، كأكثر منظمة تلتزم بالثقافة الأمريكية بين جميع المنظمات الإسلامية الرئيسية. ولكن يكاد يكون هذا هو الخبر السار الوحيد، وذلك لأن أسلوب السياسة التي يمارسها الآن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية يجعل الأمر أكثر صعوبة من أي وقت مضى للتعامل مع “أمتعتهم” الإسلامية داخل المنظمة. 

تبدو العلامة التجارية الحادة لسياسات الهوية الخاصة بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية أقل إثارة للخوف من نشاط العمود الخامس نيابة عن حماس، لكنه لا يزال يمثل مشكلة كبيرة. بأسلوب لا هوادة فيه مثل أسلوب منتقديه، يدين مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية الإهانات الموجهة للمسلمين من قبل البيروقراطيين الحكوميين والخائفين من الإسلام في مختلف أنحاء أمريكا. لا تخلو مثل هذه الشكاوى من الوجاهة، لكن مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية ينفخ فيها عن طريق المغالاة التي تسود سياسة الدفاع في أمريكا المعاصرة. وهذا يعمق الاندماج الذاتي للمسلمين الشباب المتعلمين الذين يرفضون الاعتراف بأن منظماتهم وقادتهم يتحملون أية مسؤولية عن الشكوك التي يستمر الأمريكيون الآخرون في إخفائها تجاههم وتجاه قادتهم وعقيدتهم. بدلاً من ذلك، هؤلاء الشباب المسلمين الأمريكيين، على عكس آبائهم المهاجرين، يرفعون دعاوى كامل غير مبررة عن حقوقهم كمواطنين، في حين لا يعترفون في مقابل ذلك بالواجبات – بخلاف “الواجب” المألوف لدى المعارضة والمطالبة بمزيد من الحقوق. ولعل هذا هو التحدي الأكثر أهمية وتعقيدًا الذي يواجه الأمة من جهة الإسلام الأمريكي المعاصر. 

الضغوط البناءة

كيف ينبغي أن نستجيب لهذا التحدي؟ يجب علينا أن نبدأ من خلال الاعتراف بأن القيم القانونية والسياسية والمؤسسات التي ساعدت الأمريكيين على تجنب المبالغة في رد الفعل بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر أعاقتنا بعد ذلك من مواجهة هذا التهديد الأكثر مكرًا من جانب الفكر الإسلامي. لم يعد يتعين على المؤسسات الأمريكية الرئيسي بشكل روتيني ودون تمحيص التعامل مع القادة والمنظمات الإسلامية التي لا تظهر – عند نقطة ما وبطريقة أو بأخرى – استعدادًا للتصدي لأسئلة حول تاريخها، وحول مدى تطابق وجهات نظرها مع القيم الأمريكية والمبادئ السياسية. 

ولكن هذا يعني أنه يجب على غير المسلمين طرح أسئلة من هذا القبيل بوسائل معقولة وبناءة. يجب علينا أن نتجاوز الموقف التحقيقي من النقاد المنشغلين فقط بالآثار السياسية. يشجع الكشف المتكرر لنفس الوقائع الدامغة فقط المسلمين، من خلال الدفاع الحاد لجماعات مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية، تطويق أنفسهم في مباحثات رنانة لكنها مراوغة عن الحقوق. 

المشكلة الأساسية ليست عدم الولاء بين المسلمين الأمريكيين، ولكن ترددهم في مواجهة الآثار المترتبة على الفكر الإسلامي الذي أصبح جزءًا من بيئتهم، والتي يواصل قادتهم استدعائه، سواء بطرق شعائرية أو غير تأملية. وبالتالي، ينبغي أن يكون الهدف الأساسي لممارسة ضغوط بناءة، بطرق ودرجات مختلفة، على المسلمين الأمريكيين – القادة والمواطنين العاديين على حد سواء – هو “التعامل مع أمتعتهم”. تعد الخطوة النموذجية في هذا الاتجاه هي سياسة مكتب التحقيقات الفدرالي في التحول بعيدًا عن الاتصال والتعاون مع مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية. لذا جاءت مقاضاة وزارة العدل في إدارة بوش لمؤسسة الأرض المقدسة. ومع ذلك، فاليوم تنتهج إدارة أوباما سياسة تميل أكثر إلى التسوية مع المنظمات الإسلامية الأمريكية. هذا أمر مؤسف، ولكن في الحقيقة ليس هناك سوى الكثير يمكن للحكومة أو ينبغي عليها فعله على هذه الجبهة. المصدر الأكثر تناسبًا وفعالية للضغط ستكون الجهات غير الحكومية، وخاصة الجامعات ومراكز الفكر ووسائل الإعلام. 

إذا كان ينبغي اتخاذ مثل هذه المشاركات الموضوعية مع المسلمين، فإن الأمريكيين غير المسلمين بحاجة إلى إبلاغهم بطريقة أفضل بكثير. يجب علينا التغلب على جنون الارتياب الشعبوي، الذي يغذيه غموض نخبنا، ويحقِّر من قدر شعب حر. وبدلاً من أن ننشغل بالتأثير المفترض لعلاقات الخارج مع المسلمين في أمريكا، نحتاج أن ندرك كيفية تكيف الأمريكيين المسلمين مع بعض من أكثر جوانب الخلل الوظيفي في سياستنا. 

أي تحسن في الفهم سيكون أساسيًا أيضًا في مزيد من التقدير لتاريخ أمريكا — وليس لأساطيرها — كأمة تكونت من المهاجرين. على سبيل المثال، ثمة تشابه ذا صلة بين الإسلام بوصفه عقيدة جازمة ومنتصرة ومهاجرة والكاثوليكية في القرن الماضي. وما زال هناك الكثير من أوجه الشبه ذات الصلة مع الأمريكيين الألمان خلال الحرب العالمية الأولى، ثم بعد الحرب مباشرة، مع الإرهابيين الفوضويين والخوف الأحمر الناجم. ربما التشابه الأكثر لفتا للنظر من كل هذا يظهر في أواخر القرن العشرين، عندما تشبث الاشتراكيون والشيوعيون الراديكاليون بأوهام خيالية لدولة عمال، وخاصة مع ارتقائهم السلم الاجتماعي والاقتصادي في أمريكا – يواصل الكثير من المسلمين الناجحين اليوم استدعاء مفهوم الأمة. 

الدروس المستفادة من هذا التاريخ كثيرة ومعقدة. ولكن بالتأكيد أحد الدروس هو حل المسائل المتعلقة بالولاء على مر الزمن، مع اندماج وتكيف المهاجرين وأبنائهم مع المجتمع الأمريكي. درس آخر هو أنه نادرًا ما تم التصرف على أساس هذه التوترات أو أُخذت على أنها تهديدات مميتة. 

ولكننا لا نعيش في أوقات عادية، والتهديدات التي نشهدها اليوم هي أكثر إلحاحًا. ليس لدينا متسع من الوقت للسماح للمسلمين بإبراز ولائهم لأمريكا. علينا نحن – وهم – مواجهة التحدي الآن.