Commentary

Op-ed

ماذا عن اللاجئين الفلسطنيين المزدوجين؟

غالباً ما تسمع عبارة “قوافل الموت” في مخيم عين الحلوة اللبناني للاجئين الفلسطينيين، والتي تدل على الرحلات الخطيرة التي يقوم بها اللاجئون الفلسطينيون عبر البحر الأبيض المتوسط بعد فرارهم من سوريا وإخفاقهم في العثور على ملجأٍ لهم في الدول المجاورة. في مأساة جزيرة لامبيدوزا في أكتوبر 2013، غرق عشرات لا بل مئات اللاجئين. وتوفي داخل سوريا أكثر من 85 لاجئ فلسطيني من الجوع أو من أسباب ذات صلة منذ يونيو في مخيم اليرموك المحاصر. ولا تجسد هذه الأمثلة القاسية إلا القليل عن ما يعانيه اللاجئون الفلسطينيون في سوريا منذ بداية الصراع. في الواقع، حوّل الصراع السوري عدداً كبيراً من اللاجئين الفلسطنيين البالغ عددهم 540 ألف نمسة إلى لاجئين مزدوجين. 51 ألف لاجئ فروا إلى لبنان، واستقبل الأردن 11 ألف لاجئ لتستمر مأساتهم. هذا وأخفقت الأمم المتحدة والدول المجاورة في رفع شبح المعاناة عن حياتهم. في الحقيقة، لا بدّ أن تتغير هذه الأحوال فوراً.

يعود التهجير الفلسطيني الأول إلى العام 1948 عقب الصراع العربي الإسرائيلي الذي أخرج نحو 750 ألف فلسطيني بالقوة من منازلهم ودفعهم إلى طلب اللجوء في الدول المجاورة. ولا تزال إسرائيل تنكر حق هؤلاء المهجرين بالعودة إلى منازلهم، رغم قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة رقم 194، ومنذ ذلك الحين يعاني هؤلاء مأساة التهجير من مكان إلى آخر في المنطقة.

تحمل الصعاب في الدول المجاورة

يستمر الأردن في استقبال اللاجئين السوريين، إلا أنه صعّب الأمر على الفلسطينيين السوريين جاعلاً دخولهم إلى أراضيه أمراً شبه مستحيل. تفرض القوات الأمنية الأردنية قيوداً شديدة على حركة أولئك الذين تقبل دخولهم إلى أراضيها، وفي إجراء يُعد انتهاكاً فاضحاً للقانون الدولي، أجبر الأردن الفلسطينيين على العودة من حيث أتوا. وعلى المنوال عينه، لم يرحب لبنان باللاجئين الفلسطنيين ورفض في أغلب الأحيان دخولهم إلى أراضيه بسبب عدم وضوح وجهتهم أو افتقارهم إلى تأشيرات دولة ثالثة، فانتهى بهم الأمر في مخيمات قائمة أصلاً ليزيدوا ازدحامها ازدحاماً، مخيمات يتشارك فيها عدد من الأسر الغرفة الواحدة ويعانون ندرة الطعام والماء والكهرباء. خلافاً لللاجئين السوريين، لا يُسمح للفلسطينيين بالعمل الأمر الذي يزيد من حدة الصعوبات التي يواجهونها. وبعد مرور عامٍ واحد، يتعين عليهم تسديد رسوم مرتفعة جداً أو العودة إلى سوريا قبل محاولة الدخول مجدداً إلى لبنان. إلا أن الخيارين يبدوان غير ملائمين، إذ أن اللاجئين المزدوجين الذين يعيشون بطريقة غير شرعية في لبنان هم أسهل عرضةً للاستغلال أو التطرف.

أخفقت الأمم المتحدة إخفاقاً تاماً في مواجهة أزمة اللاجئين المزدوجين. فقد تركت قيود التمويل التاريخية التي تعتمدها الأونروا اللاجئين الفلسطينيين في أزمة دائمة. تنحصر مهمة الأونروا في تأمين الخدمات الصحية والتعليمية في المناطق حيث تكون الدعوة لحماية اللاجئين محدودة جداً. تقود مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين جهوداً لرعاية اللاجئين الفارين من الصراع في سوريا، لكنها تصرَ على أن الأونروا هي التي تتحمل مسؤولية اللاجئين الفلسطينيين المزدوجين. ونتيجة لذلك، يتلقى اللاجئون مختلف مستويات وأنواع المساعدة. في ديسمبر، كانت المفوضية تقدّم مبلغاً شهرياً وقدره 70 دولاراً “لللاجئين” في الأردن في حين كانت الأونروا لا تقدّم سوى 35 دولار فقط.

ما هو الحل الذي من شأنه أن ينهي أزمة الفلسطينيين؟ لا بدّ أن تنتهي هذه الرحلة الطويلة من المعاناة التي بدأت حين سببت اسرائيل التهجير الأول في العام 1948. تؤكد الأزمة الراهنة على غياب حلّ حيوي قد يحلّ محل حق الفلسطينيين بالعودة إلى أراضيهم. فاستمرار النزوح لن يؤدي إلا إلى تفاقم معاناتهم وزعزعة استقرار المنطقة من خلال التطرف المنهجي الذي تلقاه هذه المجموعة. على إسرائيل أن تقبل تحمل مسؤوليتها تجاه حل يقوم على قبول حق العودة الذي نصّت عليه الأمم المتحدة.

في غضون ذلك، يتعين على السلطات الأردنية واللبنانية أن تلغي سياسات الدخول والإقامة العنصرية التي فرضتها على الفلسطنيين. ويتوجب على لبنان بشكلٍ خاص أن يلغي تأشيرة الدخول “السياحية” وأن يسمح لللاجئين الفلسطينيين المزدوجين البقاء على أراضيه طالما أن الظروف المُهدِدة مستمرة، ومن دون إجبارهم على تسديد رسوم مرتفعة. علاوةً على ذلك، لا بدّ أن يُنشئ لبنان مخيمات لللاجئين أو أن يوسع من رقعة المخيمات الحالية وأن يحدد أخيراً هذه المسألة ويعمل على حلّها بدلاً من الاستمرار في تجاهلها.

دور المجتمع الدولي

لا يتعين على الأردن ولبنان أن يتحملا وحدهما عبء حلّ أزمة اللاجئين، فلا بدّ أن يحمل المجتمع الدولي عنهما جزءاً أكبر من هذه المسؤولية وأن يساهم من خلال موارد إضافية هامة تسمح لهما بمواجهة هذه الأزمة. علاوةً على ذلك، يتعين على الدول العربية الأخرى أن تفتح أبوابها لاستقبال بعض اللاجئين الفارين من سوريا. ولا بدّ أن تفتح الأمم المتحدة المجال أكثر أمام الأونروا لتنخرط في نظامها من خلال تعريف حدود قيود مهتمتها. أما وكالات الأمم المتحدة فيتعين عليها أن تضمّ اللاجئين الفلسطينيين المزدوجين إلى خططها والكف عن القول أن الأونروا باستطاعتها تلبية احتياجات الفلسطينيين كافةً.
إن مصلحة الجميع تقتضي وضع حد لمعاناة اللاجئين الفلسطينيين المزدوجين. أخيراً، حريٌ بالفلسطينيين أن لا يكونوا مجرد مشاركين سلبيين في مأساتهم وأن يضطلعوا في حلّ مسائلهم بأنفسهم.