Commentary

Op-ed

لما يوضع”خط أحمر” لاستخدام الأسلحة الكيميائية ولكن ليس لقتل 70 ألف شخص؟

مع ظهور أدلة على استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية ، فقد أدّت تصريحات إدارة أوباما إلى المزيد من الخلط فيما يخص مفهومها الخاص “للخط الأحمر”. فتبدو الأدلة – على حد قول الإدارة – قوية ولكن ليست بالضرورة “قاطعة”. وجاء في رسالة البيت الأبيض في 25 أبريل “إن سلسلة حيازة السلاح (الكيميائي) غير واضحة، ولا يمكننا تأكيد كيفية التعرض له وفي أي ظروف”. ويدلّ تصريح من هذا القبيل على إدارة تجد أمام خيار واحد، ومع ذلك تظلّ عازمة على تأجيل أي إجراء حاسم من طرفها بقدر المستطاع. إنّ الجدل حول ما إذا كان قد تمّ تخطي الخط الأحمر، وكيف، ومتى، وإلى أي مدى تمّ هذا التخطي لا يُعتبر بالأمر التافه فحسب، بل أيضاً إلهاء للرأي العام. (ناهيك عما يمثله من تقويض لمفهوم “الخطوط الحمراء” نفسه.)

كما يبدو، إنّ الخط الأحمر الذي وضعته إدارة أوباما لاستخدام الأسلحة الكيميائية لا يقتصر فقط على خطر سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين فحسب، إذ إنّ الولايات الأميركية لم تحرّك ساكناً إزاء الذبح الجماعي الذي حدث بالفعل والذي حصد أكثر من 70 ألف قتيل. فيكمن القلق الحقيقي في الآثار الأمنية المترتبة على استخدام الأسلحة الكيميائية أو نقلها. أولاً، قد تقع هذه الأسلحة في أيدي جهات غير حكومية، الأمر الذي يهدد بتفشّي الإرهاب. ثانياً، وهو مرتبط بما سبق، فإن انتشار الأسلحة الكيميائية قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة بشكلٍ غير مسبوق تظهر في زيادة حادة في أعداد اللاجئين، والتي بدورها يمكن أن تهدد استقرار الأنظمة الأوتوقراطية الصديقة لأميركا مثل النظام الملكي الأردني.

هذه المخاوف هي بالطبع مبرّرة، ولكن التركيز على الآثار الأمنية – بدلاً منه على السبعين ألف شخص الذين قُتلوا بسلاح المدفعية والطائرات – يدلّ على أنّ “الطريقة الحسابية” للتحرك العسكري لم تعد تواكب التطورات (كما أنها تطرح إشكالية على المستوى الأخلاقي). فإن إدارة أوباما، بقولها إن استخدام الأسلحة الكيميائية هو خط أحمر، تقول أيضاً إن قتل 70 ألف سوري ليس خطاً أحمر – وإذا أمعنت النظر لوجدت أنّ هكذا تفكير يتركك في دهشةٍ وحيرةٍ من أمرك.

بعد مرور أكثر من عامين على بدء الانتفاضات العربية، من الصعب عدم الاستنتاج بأن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط لم تتغير. سواء أكان وزير الخارجية جون كيري الذي يشيد بإسهاب بالأنظمة الحاكمة ويعجز عن توجيه نقدٍ واحدٍ لها، أو عدم الرغبة في فرض شروط متعلّقة بالإصلاح الديمقراطي لتقديم المساعدة الاقتصادية في بلدان مثل مصر والمغرب والأردن، أو إبقاء علاقات الولايات المتحدة بالبحرين كما كانت عليه، على الرغم من كون دولة البحرين من أسوأ الدول المنتهكة لحقوق الإنسان في المنطقة؛ تبقى الخلاصة في النهاية هي هي: تفوّق الملف الأمني على أي شيء آخر.

غرّدت ممازحاً على موقع “تويتر” مؤخراً أنه إذا جاء مخلوق من الفضاء وسُمح له بقراءة نصوص مؤتمرات كيري الصحفية في المنطقة، لن يفهم أن العالم العربي شهد في الآونة الأخيرة شيئاً يُسمى “بالربيع العربي”. ولعلّ “الواقعيين” المتشددين قد يرون في ذلك دليلاً على الحكمة والرصانة. فإنّهم وغيرهم على حق في الإشارة إلى أن الولايات المتحدة ليست منظمة لحقوق الإنسان. ومن واجب السياسيين الأميركيين حماية مواطني أمريكا، وليس السوريين. إلا أنه من المأمول- وخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر – أن يتم التخلص من فكرة بقاء الأمريكيين بمنأى عما يحدث في لبنان أو سوريا أو الأردن.

يقود هذا الاستنتاج إلى سؤال أكثر إثارة للقلق: إن لم تثر إحدى أهم اللحظات في تاريخ العالم في خلال العقود الأخيرة رغبةً في أعادة النظر بالافتراضات الأساسية التي توجه السياسة الأمريكية، فما الذي سيثير هذه الرغبة إذاً؟ وبالطبع لم يكن التوقيت مناسباً، إذ قرر العرب أن يقوموا بثوراتهم في عصر ما بعد بوش والذي يسيطر عليه في أمريكا ركود وحالة من الشك الذاتي.هذا وبالإضافة إلى أنّه اتضح أن إدارة أوباما أيديولوجية أكثر من المتوقع. فإنّ عدم الرغبة في تدخل محدود في سوريا – بالرغم من وجود مبرر أخلاقي واستراتيجي مقنع – يدلّ على وجود رئيس غير مستعد لإعادة النظر في مواقفه وتغيير الحال حتى بعد أن تغير الوضع على الأرض بشكل جذري. إذاً – وبكل بساطة – لا تريد إدارة أوباما أن تتدخل في سوريا (مرة أخرى، أدعوكم لإلقاء نظرة على صياغة رسالة البيت الأبيض).

إنّ فحوى إستراتيجية أوباما في الشرق الأوسط – إن كان بإمكاننا أن نسمّيها “بإستراتيجية” في المقام الأول – هي التدخل عندما يجب والابتعاد عند المستطاع. وتسعى هذه الإدارة إلى الحد من تدخّلها في منطقة يسود فيها الاضطراب. ويعود هذا إلى فقدان الثقة في الأوساط الأميركية في قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل بطريقة “جيدة” بعد الكوارث في كل من العراق وأفغانستان. كل هذا يمكن فهمه، ولكنه أمر مؤسف أيضاً. فوضع حد لعمليات القتل في سوريا – من خلال استهداف القوة العسكرية السورية المسؤولة عن القتل فعلياً – هو أمر يمكن للولايات المتحدة وحلفاءها أن تفعله، لو أرادت ذلك (أنقر هنا لقراءة كيف حدد المسؤول الأمريكي السابق فريد هوف هذا الأمر). وقد لا يكون هذا التدخل كافياً لإسقاط النظام – في أي وقت قريب، على الأقل – لكنه سيكفي لحماية وإنقاذ بعض المدنيين السوريين الذين وجدوا أنفسهم في مرمى النظام. رغم أنّ الكثيرين لا يجدون في ذلك أمراً كافياً ووجيهاً، إلا أنه يجب أن يكون كذلك.