Commentary

Op-ed

حق فلسطين بالدفاع عن النفس

لقي جميع أفراد عائلة كوارع والبالغ عددهم ثمانية أشخاص حتفهم يوم الأربعاء عندما ضرب صاروخاً إسرائيلياً منزلهم في قطاع غزة، وأُصيب 25 آخرون في هذا الحادث. وصف مسؤولون إسرائيليون العملية بـ”الخطأ” – إذ كان الهدف من العملية تفجير المنزل من دون أن تكون العائلة موجودة فيه.

تشير تصريحات حديثة من مسؤولين إسرائيليين أنّ هذه حربٌ، وأنّ هذه الحرب لن تنتهي قريباً. ولكن، مرة أخرى، أثبتت حروب “الدفاع عن النفس” ضد قطاع غزة لإضعاف حركة حماس – في العام 2008 ثم في العام 2012 – أنها غير مجدية. مقارنة سريعة تثبت أن حركة حماس رفعت من مستوى صواريخها ومن دقتها أكثر فأكثر – ففي حين بالكاد وصلت الهجمات إلى تل أبيب والقدس في العام 2012، تراها تبلغ اليوم شمال الخضيرة الواقعة على بعد 73 ميل شمال قطاع غزة. أخفقت إسرائيل في تحقيق هدفها المعلن بإضعاف قدرة حركة حماس على ضرب الأراضي الإسرائيلية. وبهذا، يبدو أن تأثير الغارات الجوية الوحيد والدائم يكمن في الإصابات المدنية. واستناداً إلى ما أشارت إليه صحيفة واشنطن بوست في افتتاحيتها: “إن الحرب المصغّرة التي تحتدم في الآونة الأخيرة بين إسرائيل وحركة حماس هي حرب لن يفوز بها أيٌّ من الطرفين على غرار الجولات السابقة في العامين 2009 و2012.

وكما جرت العادة، جاءت ردة فعل واشنطن إزاء القصف الإسرائيلي على قطاع غزة كنوع من أنواع التبرير والدعم لـ “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”، كما يتّضح بإدانة الإدارة الأمريكية للهجمات الصاروخية التي شنّتها حركة حماس يوم الثلاثاء. ولكن ما أخفق المتحدث باسم البيت الأبيض جون إرنست بتوضيحه هو ما إذا كان الفلسطينيون يملكون أيضاً حق الحماية –وأي جهة تتوقّعها واشنطن أن تؤمن هذه الحماية.

لو كان لإسرائيل حق الدفاع عن نفسها من خلال شنّ غارات جوية دمّرت المنازل والمدارس الفلسطينية، فلا شكّ أن للفلسطينيين الحق بحماية أنفسهم من العنف الإسرائيلي الوحشي المتصاعد الذي أدى إلى مقتل أكثر من 80 شخص في الأيام القليلة الماضية فقط، بالإضافة إلى إصابة مئات المدنيين. لطالما اعتمدت إسرائيل تكتيكات غير قانونية لممارسة عقاب جماعي في غزة، فارضةً حصاراً على مساحة يقطنها نحو 1,7 مليون شخص بينما تقصف المنازل والمدارس من وقت لآخر، هذا من دون أن نأتي على ذكر الممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

برهن الاعتداء الوحشي لجنود إسرائيليين بلباسهم العسكري على طارق أبو خضير، وهو قاصر أمريكي من فلوريدا، أنّ واشنطن لا يمكنها أن تحمي حتى مواطنيها من وحشية القوات الإسرائيلية، فما حالك بالفلسطينيين المحاصرين في قطاع غزة. عندما تنتهي هذه الحرب، سيعود الإسرائيليون إلى حياتهم الطبيعية. أما الفلسطينيون، فلن يسلموا من مواجهة وحشية الاحتلال ومن ارتفاع وتيرة إرهاب المحتل الإسرائيلي، بالإضافة إلى ما يتعرضون إليه من ذلّ عند الحواجز. سيتابع الغزاويون حياتهم في أكبر سجن مفتوح في العالم، أي في قطاع غزة المحاصر.

من الواضح أنّ إسرائيل لا تدافع عن نفسها، بل تراها تحمي مشروعها الاستعماري في فلسطين. عُرِض على إسرائيل اتفاقية سلام شاملة مع تطبيع كامل ضمن إطار مبادرة السلام العربية في العام 2002، إلا أنها لم تكلف نفسها عناء الردّ على هذا العرض. مؤخراً، اختارت الحكومة الإسرائيلية بناء المزيد من المستعمرات في فلسطين على جهود السلام التي بذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري. بالتالي، إذا كانت هذه الحكومة تدافع عن شيء واحد، فهو مشروعها الاستعماري.

يدرك جون كيري تماماً أن الوقت الذي بذله والطاقة التي استثمرها في عملية السلام قوّضها توسيع حكومة نتنياهو للعمليات الاستعمارية في الأراضي الفلسطينية. خلال تسعة أشهر من المفاوضات التي كانت تقودها واشنطن، زادت مساحة المستعمرات الإسرائيلية بسرعة أكبر من أي وقتٍ مضى.

ضُمِنت حقوق الفلسطينيين الإنسانية الأساسية من أمنٍ وحماية. للأسف، حاربت الولايات المتحدة وقوى غربية أخرى محاولات الفلسطينيين للحصول على حماية القانون الدولي، لا سيما من خلال الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. علاوةً على ذلك، صوّت البيت الأبيض ضدّ انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة، وأصرّ بدلاً من ذلك وبشكل غير مفاجئ على إجراء المزيد من المفاوضات – التي باءت بالفشل من دون شك. وقبل ذلك، فشل الرئيس أوباما في تطبيق توصيات مستشاره للأمن القومي الجنرال جايمس جونز للعام 2008 بإرسال قوات الناتو إلى الضفة الغربية وتحديداً إلى المناطق التي تنسحب منها إسرائيل لتأمين الأمن للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.

من أجل منع اندلاع حرب أخرى، وتجنيب المدنيين المزيد من الوحشية، يتعين على واشنطن اتخاذ إجراءات فورية لتجنب نفاق تشريع العنف الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين تحت ستار “الدفاع عن النفس”. أولاً، يتعين أن تمتنع عن استخدام اللغة التي تنزع شرعية حق الفلسطينيين بالأمن والحماية. تشوّه اللغة التي يعتمدها البيت الأبيض صورة الفلسطينيين عندما تمنعهم من حاجتهم البشرية الأساسية للأمن، فيما توفر غطاءً لتصعيد العقاب الجماعي غير القانوني الذي تفرضه إسرائيل عليهم. ثانياً، ينبغي على الولايات المتحدة أن تشجّع الجهود الفلسطينية الشرعية لتأمين أمنهم وسلامتهم من خلال سيادة القانون، وخصوصاً من خلال حماية المحكمة الجنائية الدولية. ثالثاً، نظراً لغياب الثقة بشكلٍ هائل بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لا بدّ من إعادة النظر في فكرة القوات الدولية التي تفصل الطرفين بحسب حدود عام 1967.

وكما أقر عدد من المسؤولين الأمريكيين، أصبح من الصعب أكثر فأكثر تبرير الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية والتي يتعذر الدفاع عنها، لدرجة أنّ جون كيري اعترف أنّ المخاطر الإسرائيلية تتحول إلى “دولة فصل عنصري”. يجب ألا يكون البيت الأبيض في موقف يبرر فيه قتل أفراد عائلة كوارع الثمانية العُزّل على أنّه “حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس”.