Commentary

Op-ed

توثيق التعاون بين العراق وتركيا سيحقق نتائج كبيرة

لقد توجّهت أنظار تركيا لتلبيه احتياجاتها المفرطة من الطاقة مؤخرا نحو منطقة بحر قزوين والعراق. تفيد تقارير وكالة الطاقة الدولية أنّ الإنفاق التركي على واردات الطاقة بلغ 60 مليار دولار في العام الماضي. ومن المتوقع أن يزيد هذا الرقم هذا العام.

وفي خلال منتدى قزوين الثالث في اسطنبول الأسبوع الماضي، شهدت شخصياً محاولات لإنشاء اتحاد طاقة في جنوب أوروبا أو شمال منطقة الشرق الأوسط لتلبية تلك الاحتياجات.

ركّز المنتدى، على غرار الكثير من فعاليات النفط والغاز الأخرى التي عُقدت مؤخّراً، على مدى تأثير أمن الطاقة على العرض والطلب العالميين. كما وأنّ الأضواء كانت مسلطة على الحوار بين أنقرة وبغداد وإقليم كردستان العراق بشأن بناء خط أنابيب النفط إلى تركيا عبر كردستان. وفي حال تم بناء خط الأنابيب هذا من دون إجماع قانوني بين جميع الأطراف، ستترتب على ذلك أثار سلبية طويلة الأمد على الأمن الإقليمي.

في حين يعترف العراق بالروابط العابرة للحدود والتاريخية بينها وبين تركيا، على أنقرة ألا تتجاوز هذه العلاقة أو ألا تصبح متورطة في الجدال القائم حول الدستور العراقي. فهذه مسألة حكم لا يمكن إلا للشعب العراقي أن يحلها.

في كلمته التي ألقاها وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو في منتدى قزوين الثاني الذي انعقد في نيويورك في سبتمبر الماضي، أوضح أنّ ” مشروع ممر غاز الجنوب يربط عدة مناطق والعديد من البلدان حول الهدف عينه وهو الحصول على طاقة موثوقة، ولكنه في نفس الوقت عبارة عن ممر للسلام”. وقد أيد هذا التصريح وزير الطاقة التركي تانر يلدز، الذي يحاول توقيع اتفاقية ثلاثية بين أنقرة وبغداد وأربيل لتأمين الرخاء الاقتصادي والوئام للجميع.

في العام الماضي، لم يستطع السيد يلدز الوصول إلى أربيل لحضور مؤتمر النفط والغاز في كردستان العراق عندما منعت طائرته من دخول المجال الجوي العراقي. لكنه دخل أربيل هذا العام، بعد أن ذهب إلى بغداد حيث التقى حسين الشهرستاني، نائب رئيس الوزراء العراقي، لمناقشة المبادرة التي اقترحتها تركيا. يعاني العراق العديد من المشاكل التي يمكن أن تهدد هذه العملية. لقد خرج العراق لتوه من نصف قرن من الاستبداد والدكتاتورية. ناهيك عن أنّ ست دول تحيط به، ولكلٍ منها أجندة مختلفة ومتضاربة بشأن سياستها الخارجية تجاه العراق. وعلى الرغم من هذا، فإنّ حال العراق في العام 2013 هو أفضل بكثير وأقوى مما كان عليه في العام 2003، ويحدوني الأمل في أن المستقبل سيشكّل صدمةً للمتشائمين الذين يبحثون عن الانقسام بدلاً من الوحدة في بلدي

ما زالت الفدرالية في العراق مسألة على جميع الفصائل المتنازعة فهمها. في حين ينظر الأكراد إلى الفدرالية من خلال “عدسة كونفدرالية”، لأنهم نعموا بحكم ذاتي على مدى 12 عاماً قبل عام 2003، تراها الأغلبية العربية من خلال مفهوم “المركزية”، نظراً لأن عقليتها لا تزال ترزح تحت وطأة الماضي.

قلما يتمحور تغيير النظام حول إزالة الطغاة فقط، فهو يمثل مسيرة الأمة نحو الإصلاح. وهذا يتطلب وقتاً، وربما يستغرق أجيالاً لكي يتحقق.

نعيش في زمن يولي الناس فيه اهتماماً كبيراً بوسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعية، وقلّ اهتمامهم بالتاريخ وحقائق الماضي. إلا أنّ التاريخ يخبرنا أنّ الأوروبيين أخذوا 500 عاماً للخروج من العصور المظلمة، وأنّ الولايات المتحدة مرت بسنوات عديدة من التجارب والإخفاقات قبل أن تتمكّن من تحقيق ديمقراطيتها المشهودة. أما بالنسبة لتركيا الجديدة، فإنّ الرخاء الذي تنعم به اليوم جاء بعد قرن من النضال بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. وأنا أعتقد أن رحلة العراق إلى النجاح ستكون أسرع بكثير من ذلك؛ فقد فعلناها منذ 5000 سنة، وسنفعلها مجدداً.

يرتكز مفتاح الازدهار على الإدارة المستقبلية لموارد النفط والغاز في العراق والتوزيع العادل للعائدات بين الأطراف الفدرالية. كما وأنه يعتمد على مفهوم أن العقود النفطية هي التزامات طويلة الأجل تبقى أكثر من التعيينات السياسية قصيرة المدى.

يمكن للعراق أن يكون العامل المحفّز لتحقيق الازدهار في المنطقة. فإنه يوفر محفظة استثمارية تقدر قيمتها بأكثر من 1.3 تريليون دولار أميركي، بما في ذلك 650 مليار دولار في قطاع الطاقة وحده. وبحسب الإستراتيجية الوطنية للطاقة في العراق، فإنّ بحلول عام 2020، يمكن أن يصل الإنتاج اليومي إلى تسعة ملايين برميل من النفط وأكثر من سبعة مليارات قدم مكعب من الغاز.

قد تكون تركيا المستفيد الأكبر والوحيد من رخاء العراق ووحدته. فهي البوابة إلى أوروبا وشريكة العراق الطبيعية في إعادة إعماره.

ينبغي على العراق وتركيا أن يفكرا في تشكيل اتحاد اقتصادي بينهما وفي تطوير الشراكات في مجال الطاقة بغية الحفاظ على السلام والرخاء، بدلاً من تسييس موارد الطاقة في إقليم كردستان العراق. لا بدّ من وجود جيرة قائمة على التعاون في منطقة “مهد الحضارة”. ففي نهاية المطاف، سيعود هذا التعاون بفائدة كبيرة لكافة الأطراف المعنية.