Commentary

Op-ed

تركيا وسوريا والولايات المتحدة

ثمة جدال عام في تركيا حول السياسات التي تتبناها الدولة تجاه الأزمة السورية.

لعل من أهم الجوانب التي تستند إليها هذه الانتقادات في هذا الصدد هو أن الحكومة تتبع التوجهات الأمريكية في هذه السياسات. ووفقًا لذلك، فإن الربيع العربي بصفة عامة، والثورة السورية بصفة خاصة، ما هو إلا نتيجة لمشروع أمريكي يهدف إلى إقامة نظام جديد في الشرق الأوسط. ويوجد على الأقل ثلاث مشكلات في هذه النقطة. أولاً، عدم وجود منهجية أمريكية موحدة متبعة تجاه الربيع العربي. ويعترف خبراء السياسة الخارجية الأمريكية أن السياسات الأمريكية تجاه الربيع العربي سياسة خاصة وغير متوافقة ونتائجها غير متوقعة. وينقسم الساسة المحليون الأمريكيون حول هذه القضية.

فعلى سبيل المثال، ألقى النائب الجمهوري عن ولاية تكساس لوي جوهمرت منذ أيام قليلة كلمة في الكونجرس انتقد فيها سياسة الرئيس الأمريكي أوباما تجاه الربيع العربي معتبرًا أن الرئيس أوباما يؤسس “لإمبراطورية عثمانية ثانية” من خلال إتاحته الفرصة للإسلاميين في اعتلاء السلطة وترك إسرائيل منعزلة في المنطقة.

إن كلمة جوهمرت لا تعتبر مجرد رأي شخصي ولكنها تعكس نظرة المحافظين للربيع العربي حيث يرون أن الربيع العربي هو استبدال جميع الحلفاء – مثل حسني مبارك وبن علي – والتعويض عنهم بالإسلاميين الراديكاليين.

ثانيًا، يبدو أن من يختزلون الربيع العربي في مؤامرة أمريكية أنهم يتجاهلون التاريخ الحديث للشرق الأوسط خاصة القمع الوحشي الذي تعرضت له المعارضة السورية على يد حافظ الأسد في ثمانينيات القرن العشرين.

استمر اضطهاد المعارضة في سوريا منذ ذلك الحين. وقد قضيت شهرين في دمشق عامي 2008 و2010 كان خوف الشعب من النظام الحاكم واضحًا حتى في هذه السنوات التي اعتبر فيها بشار الأسد رمزًا “تحرريًا”.ومن ثم، فإن الانتفاضة في سوريا لها جذور تاريخية ومجتمعية عميقة.

علاوة على ذلك، يصف الذين يختزلون الربيع العربي كما لو خططت له أمريكا يصفون الشعوب العربية بأنها سهلة الانقياد ولا تستطيع العمل بمفردها. وفي الواقع، كانت المعارضة في عدة دول عربية، خاصة في تونس ومصر، منظمة بقدر معين وقد ثار الشعب بشجاعة ليضع نهاية للحكم الديكتاتوري.

ثالثًا وأخيرًا، تركيا، وليس الولايات المتحدة، التي تندفع لزيادة التدخل الدولي في سوريا في إطار الأمم المتحدة أو الناتو. و لا تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية الوفاء بالمطالب التركية لأسباب عدة، مثل الانتخابات الرئاسية المقبلة، والضعف الذي أفرزه الغارات على العراق وأفغانستان والتحفظات الإسرائيلية.

كان الصواب محالفًا لتركيا في مطالبتها بتقديم الدعم الفعال للشعب السوري، وتوجد أسباب تاريخية وثقافية وإنسانية تدفع تركيا إلى طلب ذلك. وبعيدًا عن الأسباب المثالية، فإن الواقع السياسي أيضًا يفرض على الدول المجاورة والقوة العالمية أخذ المبادرة لوقف المذابح التي تعصف بسوريا. وفي المستقبل القريب، ستصبح سوريا بعد الأسد صديقة لمن قدموا الدعم للشعب السوري ولن تنس في نفس الوقت من وقفوا بجانب نظام الأسد خلال هذه الأزمة.