February

11
2016

1:30 am +04 - 3:00 am +04

تأثير أسعار النفط المنخفضة والضرائب على دول مجلس التعاون الخليجي

Thursday, February 11, 2016

1:30 am - 3:00 am +04

فندق الهيلتون
قاعة قمر للاجتماعات

فندق هيلتون الدوحة
الدوحة

استضاف مركز بروكنجز الدوحة ندوة في 10 فبراير 2016 تناولت تأثير أسعار النفط المنخفضة والضرائب على الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي. شارك في الندوة عبدالعزيز العويشق، الأمين العام المساعد للشؤون الخارجية في مجلس التعاون لدول الخليج العربية؛ وفادي مكّي، زميل زائر أول في جامعة جورجتاون قطر ومعهد عصام فارس في الجامعة الأمريكية في بيروت ومدير عام في أديما للاستشارات؛ وروبن ميلز، زميل غير مقيم في مركز بروكنجز الدوحة. أدار الزميل الأول في السياسة الخارجية ونائب مدير مركز بروكنجز الدوحة إبراهيم فريحات الجلسة، التي حضرها أعضاء من جهات دبلوماسية وأكاديمية وإعلامية في دولة قطر.

بدأ فريحات النقاش بالإضاءة على التراجع العالمي في أسعار النفط، الذي دفع دول مجلس التعاون إلى التفكير بمصادر جديدة للدخل. وصلت أسعار النفط حالياً إلى ما يقارب 30 دولاراً للبرميل الواحد، علماً بأنها كانت قد وصلت إلى مستويات أدنى في العامين 1986 و1997. اختتم فريحات كلمته الافتتاحية بالقول إن انخفاض الأسعار قد يستمر لفترة أطول هذه المرّة بسبب تطور التكنولوجيات الحديثة، وظهور منتجين رئيسيين مثل إيران والعراق مجدداً، وتباطؤ النمو الاقتصادي في الأسواق الصاعدة التي تدفع الطلب إجمالاً.

أشار ميلز إلى المصاعب الرئيسة التي تحدّ من القدرة على التنبؤ بوجهة أسعار النفط، ثم أسهب في شرح هذه المصاعب متحدّثاً عن ظهور مصادر الطاقة البديلة وتقنيات جديدة في استخراج النفط مثل إنتاج النفط الصخري. قال إنّ إنتاج النفط الصخري قد أثبت أنه أقوى مما كان متوقعاً، إذ نجح المنتجون في تخفيض تكاليف إنتاجهم من حوالي 80 دولاراً إلى 50 دولاراً تقريباً. وفي الواقع أصبح إنتاج النفط الصخري أقل كلفة من المشاريع الضخمة التي يتم تنفيذها في المياه العميقة في بحر الشمال أو مشاريع استخراج النفط الرملي في كندا. لكن ورغم ارتفاع الطلب على النفط إلى مستويات جديدة العام الماضي، إلا أن تباطؤ النمو الاقتصادي يشير إلى أن الطلب على النفط سيتراجع هذا العام رغم انخفاض الأسعار.

وحسب رأي ميلز، فإن المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الأعضاء في منظّمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) لن تلجأ إلى تخفيض الإنتاج، حتى بالأسعار الحالية، لأن هذه الدول تسعى إلى المحافظة على حصتها في سوق النفط. تؤمن المملكة العربية السعودية، التي تُعتبر الرئيس الفعلي لمنظمة أوبك، أن شركات النفط الصخري لن تصمد أمام انخفاض الأسعار، لأن طرق إنتاجها أكثر كلفة من طرق إنتاج النفط العادي. وبالفعل، أعلنت بعض الشركات الصغيرة المنتجة للنفط الصخري في الولايات المتحدة الأمريكية إفلاسها العام الماضي. من وجهة نظر اقتصادية، إن المملكة العربية السعودية في موقع يمكّنها من الصمود أكثر من الشركات المنتجة للنفط الصخري والدول الأصغر المنتجة للنفط دون تخفيض إنتاجها، نظراً لتكاليف الإنتاج المنخفضة بشكل كبير إلى جانب محفظة أصولها المملوكة للدولة بقيمة 1,5 تريليون دولار والتي ستمكنها من المحافظة على مستوى إنفاق حكومي مماثل لمستويات إنفاق الأعوام السابقة، وإن كان لفترة مؤقتة.

بعد ذلك ناقش مكّي حاجة دول مجلس التعاون الخليجي إلى إجراء إصلاحات اقتصادية. إن عدداً من التطورات الاقتصادية الشاملة يحتّم إجراء إصلاحات في ظل استمرار معاناة الاقتصاد العالمي. تظهر التوقعات الاقتصادية الصادرة عن صندوق النقد الدولي (IMF) للعام 2016 إمكانية انخفاض النمو العالمي، وتدنّي عائدات صادرات النفط في الدولة المنتجة له، مما قد يتسبب بتدهور في الأرصدة المالية. وينصح البعض أن تشمل الاصلاحات تخفيض دعم الطاقة، والسعي إلى إنشاء محفظة اقتصادية أكثر تنوعاً، وتعزيز عائدات الدولة من خلال فرض الضرائب. وبما أن دول مجلس التعاون الخليجي لا تمتلك حريّة رفع الرسوم كما تريد، كونها دولاً أعضاء في منظمة التجارة العالمية، فقد لجأت إلى فرض ضريبة على القيمة المضافة (VAT) على المستهلك.

من شأن فرض ضريبة على القيمة المضافة أن يكون له فوائد عديدة تنعكس على دول مجلس التعاون الخليجي. فإذا تمت جباية ضريبة القيمة المضافة بمعدل 5 بالمئة، يمكنها أن تعود بمردود يعادل ما بين 0,8 و1,6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي حسب كل دولة. إذا تم تنفيذ هذا الأمر بفاعلية، عندها يمكن لفرض الضريبة على القيمة المضافة أن يسهّل التجاوب مع فكرة فرض الضرائب عموماً. كما يمكن لهذه الضريبة أن تقدّم للمسؤولين الإداريين معلومات مفصّلة حول العمليات التي تتم في القطاع الاقتصادي، الأمر الذي سيزيد من الشفافية ويسهل وضع سياسات اقتصادية موجّهة. يوصي كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أن تتعاون وتنسّق دول مجلس التعاون الخليجي في ما بينها وأن تفرض معدّلاً واحداً للضريبة على القيمة المضافة. أمام القطاع الخاص فرص عديدة للدخول في شراكة مع الحكومات بشأن جوانب متتوعة لتنفيذ الضريبة على القيمة المضافة، من بينها جمع الضريبة على القيمة المضافة من خلال البنوك، والاستعانة بمصادر خارجية في جوانب أخرى.

تطرّق الحوار بعد ذلك إلى مناقشة الآثار التي تتركها أسعار النفط المنخفضة والضريبة على القيمة المضافة على الشؤون السياسية في المنطقة. أكد العويشق أنّ المملكة العربية السعودية تجد نفسها في وضع جيّد لمعالجة هذه الأزمة بما أنها تدير محفظة أصول مملوكة للدولة بقيمة تُقدر بـ 1,5 تريليون دولار تشمل حصص ملكية في الشركات السعودية؛ وحصص ملكية في شركات غير مدرجة، مثل شركة أرامكو؛ واحتياطيات نقدية وقروض، واستثمارات سيادية. وإذا استدعى الأمر، يمكن للمملكة العربية السعودية أن تحوّل بعض هذه الأصول إلى سيولة مالية تدعم بها ميزانية الدولة رغم استمرار انخفاض أسعار النفط.

يعتقد العويشق أنه يجدر بحكومات دول مجلس التعاون الخليجي اعتبار انخفاض أسعار النفط الحالي بمثابة فرصة للقضاء على القصور والهدر. وبناءً عليه، يجب أن تركّز دول مجلس التعاون على الحدّ من الإنفاق الحكومي في المجالات التي لا تؤثر على المستهلك. وقال إن فرض ضريبة على القيمة المضافة لا يزيد فقط من إيرادات الدولة غير النفطية، بل هو اصلاح ضريبي يردم الهوة الموجودة في الهيكل الضريبي الحالي، ويسمح باستبعاد بعض الضرائب والرسوم الحالية. يعتقد العويشق أن أسعار النفط ستحافظ على انخفاضها خلال السنوات القليلة القادمة، وأن السنوات التي وصلت فيها أسعار النفط إلى أرقام ثلاثية كانت سنوات استثنائية. إن سوق النفط يصحّح نفسه الآن ويحاول التكيّف مع التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية الجديدة. لهذا السبب، يجب على دول مجلس التعاون الخليجي أن تتأقلم هي الأخرى مع هذا التحوّل في الاقتصاد العالمي، وذلك بإجراء إصلاحات دائمة وتنويع مصادر الدخل.

سأل فريحات المتحدّثين عن تأثير الضريبة على القيمة المضافة على المواطن العادي في دول مجلس التعاون. اتفق المتحدثون على أن المواطن العادي لن يشعر بالآثار الاقتصادية للضريبة، شريطة التزام دول مجلس التعاون بتوصيات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وفرض هذه الضريبة بنسبة 5 بالمئة فقط. إذا زادت النسبة عن 5 بالمئة ووصلت إلى أرقام ثنائية (عشرية)، عندها سترتفع أسعار السلع بشكل كبير، ما قد يدفع المستهلكين للمطالبة باصلاحات سياسية. من الأمثلة الأخرى التي طُرحت في الجلسة فكرة رفع الضرائب على ” السلع الضارّة” مثل السجائر والكحول والسلع الفاخرة أيضاً، التي من شأنها زيادة العائدات الحكومية دون إرهاق الطبقة الدنيا.

خُتم النقاش بطرح عدد من الأسئلة حول الآثار البعيدة المدى لأسعار النفط المنخفضة على دول مجلس التعاون الخليجي. في ظل الإشباع الحالي في امدادات النفط وتراجع الطلب العالمي، يُحتمل بقاء أسعار النفط في هذا المعدل المنخفض. من شأن تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني، والإنتاج المتزايد للنفط الأمريكي، وعودة إيران إلى سوق النفط المساهمة في إبقاء أسعار النفط منخفضة. لكن وبعيداً عن السلبية، يمكن أن تكون هذه الأسعار المنخفضة فرصة أمام دول مجلس التعاون الخليجي للقيام بتغييرات مثمرة تتعلق برفع كفاءاتها الحكومية، والحدّ من البيروقراطية، وتعزيز مستويات الاستدامة والمسؤولية.