Commentary

سياسة الهوية في الانتخابات الكويتية

عكست الانتخابات البرلمانية التي جرت يوم الخميس بالكويت الدراما الشديدة التي انتشرت في البلاد على مدى الأشهر الأربعة الماضية – احتجاجات الشوارع التي يقودها الشباب واتهامات الفساد التي تورط فيها 13 عضوًا من أعضاء البرلمان واقتحام البرلمان الذي جرى في شهر نوفمبر للاحتجاج على الفساد وحل البرلمان من قبل أمير البلاد المفدي واستقالة رئيس الوزراء المحاصر. وقد اتسمت الحملة الانتخابية بالخطاب اللاذع والعنف وجاءت النتائج لتمنح السلطة لتحالف قبلي إسلامي مفكك مكون من مرشحي المعارضة، الأمر الذي أصاب كافة الليبراليين بخيبة الأمل ومهد الطريق للتلاعبات السياسية المتواصلة خلال الأشهر المقبلة. وقد اشتكى المعتدلين القانطين، الذين يقومون بفحص النتائج، تكرارًا من أنه “لا يوجد أحد يمثل الوسطية”.

وقد دارت الانتخابات حول المنافسة بين تحالف من مرشحي المعارضة الذي يطالب بمزيد من الشفافية والمرشحين الموالين للحكومة. فالقضايا السياسية الهامة تؤثر إلى حدٍ كبيرفي خلفية الكويت – أشياء مثل رئيس وزراء منتخب وإقرار الأحزاب السياسية الحقيقية ووجود قضاء مستقل واستقلال البرلمان عن الحكومة وإحراز تقدم عام نحو الديمقراطية الدستورية. ومع ذلك، فإن التغيرات الديموغرافية القضايا المادية المتعلقة بالرفاهية الفساد تبدو أنها كانت الدافع وراء نتائج الانتخابات – وخاصة الغضب بشأن وجود دليل على الفساد الرسمي وغياب المسائلة. فقد أدى ذلك إلى حدوث تغير بنسبة 54% في البرلمان.

وقد فاز التحالف القبلي الإسلامي المفكك المكون من مرشحي المعارضة بحوالي 34 مقعدًا في البرلمان المكون من 50 مقعدًا، حيث فاز المرشحون الإسلاميون بـ14 مقعدًا، في حين حصل المرشحون القبليون، الذين قد يُطلق على نصفهم إسلاميين، على 21 مقعدًا. فقد كانت جماعة المعارضة تستغل بشكل واضح توجهات الناخبين، فيما حصل عضو البرلمان التابع للمعارضة القبلية مسلّم البراك من الدائرة الرابعة على أعلى عدد من الأصوات وهو العدد الذي لم يحصل عليه مرشح في أي وقت مضى.

وفي الوقت نفسه، فإن ما تُسمى بالمعارضة التي يقودها الإسلاميون بعيدة عن فكرة التحالف المتآلف. فبعض الإسلاميين عقائديين والبعض الآخر ليسوا كذلك. فلم يكن الحماس الديني نداء مركزي للحملة الانتخابية. وقد أثبت المرشحون الإسلاميون أنهم أفضل تنظيمًا وأكثر تطورًا ووضوحًا وبلاغةً من الناحية السياسية. وقد برز الكثير من المرشحين الشباب من خلال المنظمات الاجتماعية والمجتمع المدني، حيث كان يتم “إعدادهم” ليكونوا قادة فاعلين على مر السنين. كما لم يكون الناخبين القبليين كتلة متآلفة، حيث كانت توجد فجوة جيلية بين الناخبين القبليين، حيث تورط العديد من أعضاء البرلمان القبليين في فضيحة الفساد. ومن المثير للاهتمام، لم تكن الانتخابات القبلية التمهيدية التي أثارت الجدل مؤشرًا دقيقًا للتصويت القبلي في الانتخابات العامة.

ومع ذلك، فقد كان أداء الليبراليين ضعيفًا. فلم تفز أي من النساء الأربعة المنتخبات في البرلمان السابق بمقاعد. في الواقع، لم يتم انتخاب أي واحدة من النساء المرشحات الـ23. فقد وجد الليبراليون مقاعدهم قلت من ثمانية إلى خمسة مقاعد، فيما وجد الشيعة أن مقاعدهم قلت من تسعة إلى سبعة. [i] بشكلٍ عام، فقد قام النواب الشيعة بالتصويت كمؤيدين للحكومة. وعلاوة غلى ذلك، فقد اشتمل الناخبين الشيعة على خمسة مدعومين من قبل المؤسسات الشيعية، فيما تم تحديد اثنين منهم كليبراليين وقوميين، ولم يوجد سوى أربعة مستقلين. وقد وصف كاتب العمود ووزير الإعلام السابق سامي نصيف نتائج الانتخابات بأنها “إعصار من الغضب والضراوة ضد الفساد الحكومي والتشريعي… وضد الأصوات المعتدلة”. [ii] ويراه كاتب العمود وليد الرجيب هذا الأمر باعتباره “مظهر واضح من مظاهر المشاعر الطائفية والقبلية واستمرار للفساد في مجتمعنا”. [iii] لكن بالنسبة للجزء الخاص بهم، تنقسم الوحدات الليبرالية الصغيرة نسبيًا ولا تعمل معًا بأي شكل من الأشكال المتماسكة. وقد قام أحد الناخبين الليبراليين بتلخيص الناتج الانتخابي بهذه الطريقة، “كنا نستحق ذلك! وقد سمحنا لهذا الأمر أن يحدث”.

هناك إحباط حقيقي يصل إلى حد الغضب بين الناخبين الكويتيين بشأن حالة مشاريع الاقتصاد والتنمية. ففي استطلاع الرأي الصغير الخاص بي الذي قمت به بين الناخبات في الدائرة الثالثة، فقد أعربوا عن مخاوف جدية إزاء عدم وجود فرص عمل للشباب الكويتي وعدم وجود سكن للنساء غير المتزوجات والمطلقات وعدم وجود ممرضات في مدارس الصف في جميع أنحاء الكويت، كما تراجعت الكويت بعيدًا عن القوى الاقتصادية في دبي والدوحة وحتى بعيدًا عن المملكة العربية السعودية التي قدمت مدن اقتصادية جديدة مزدهرة. وقد شكوا كثيرًا من النسبة العالية من الواسطة وارتفاع التوتر الطائفي والتفاوت في تنفيذ الدستور، على سبيل المثال، “الدستور ليس هو المشكلة، إنه هو الطريق الذي ينتقون ويختارون من خلاله ما يمكنهم تنفيذه”.

ويبدو أن أكبر قوة دافعة لنجاح المعارضة منتشرة على نطاق واسع في الفساد الرسمي، وسوف يتخلل هذا الغضب جدول أعمال البرلمان الجديد. ينص قانون العقوبات أنه ينبغي عدم السماح لهؤلاء المتورطين في الفساد بشغل المناصب العامة، وهو القانون الذي تستخدمه شخصيات المعارضة الآن للطعن في بعض نتائج الانتخابات. فقد رفع 14 ناخبًا على الأقل نداءًا للمطالبة بإلغاء انتخابات محمد الجويل المتهم في قضايا فساد. وقد تحدث أستاذ القانون وعضو البرلمان المنتخب من الدائرة الرابعة عبيد الواسمي في نبرات مثيرة للقلق قائلاً، “أقسم بالله العظيم سأقوم بالتدقيق في ملفات فساد هؤلاء جميعًا… وأقول لكم أنكم يمكنكم مغادرة البلاد خلال 24 ساعة، وأنا لا أنصحكم بالبقاء”.

بالنسبة للبعض، فإن النتائج الانتخابية ليست هي المشكلة. وقد قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت السيد غانم النجار قبل الانتخابات، “ليس المهم من سيفوز أو يخسر، المهم هو كيف يمكننا الانطلاق من هذه النقطة”. [iv] وهنا، يوجد الكثير من القلق بشأن الميل المتصاعد للتحريض الطائفي والخطاب المستهجن المعادي للقبلية والخطاب الجنسي والاشتبكات العنيفة بين المعسكرات المتنافسة.

ويخشى بعض الليبراليين من قيام الإسلاميين “بتحويل الكويت إلى مملكة عربية سعودية”. وقد أعلن عضو البرلمان محمد الهيف إبان انتخابه أن، ” الأرض خصبة الآن لتعديل المادة الثانية من الدستور لتمهيد الطريق للتغيير مما يجعل الشريعة المصدر الوحيد للتشريع في الكويت”. فمن خلال المراجعة البسيطة لمادة واحدة – تغيير أداة التنكير إلى أداة تعريف – يتغير الإطار القانوني لدولة الكويت. وقد رد متحدث رسمي في وقت قريب قائلاً أن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام مثل هذه الجهود. فالنساء على وجه الخصوص يخشون فرض قانون اللبس وزيادة الفصل بين الجنسين. في الواقع، فقد قام اثنين من أعضاء البرلمان، محمد الهيف وفيصل المسلم، سابقًا بتشكيل لجنة للحد من الظواهر السلبية في جامعة الكويت. فقد وضعوا قيودًا على لباس المرأة والاختلاط في الحرم الجامعي، كما أنهم استهدفوا الرجال المؤنثة والنساء المذكرة. فيما يشير البعض إلى منافسة الإسلاميين طويلاً في الانتخابات الكويتية كما أنهم قاموا بالتمثيل في البرلمان وليس من المرجح أن يتصرفوا بطرق مختلفة جوهريًا اليوم عما كانوا يفعلون في الماضي.

وتكمن المخاوف الأكبر في رد الفعل العنيف ضد البزوغ المتنامي للناخبين القبليين، حيث ينظر العديد من الليبراليين إلى القبائل باعتبارها شيء مختلف عن المواطنين العاديين. وتشير التقارير إلى أنه قبل الانتخابات قامت بعض القبائل بالمثول أمام البرلمان وقاموا بترديد نغمة الحرب التقليدية لحله. هناك شعور بأن “العقلية القبلية” تنمو وأنها ستدمر مؤسسات المجتمع المدني حيث يفتقر الناخبين القبليين أي وجه من وجوه التنمية الوطنية. وبدلاً من ذلك، فإنهم يسعون إلى الحصول على الحوافز المالية والمحسوبية – رواتب أعلى ومزيد من العقود ومحو الديون الخاصة. فإنهم سوف يأخذون القانون بأيديهم ويدافعون عن ناخبيهم القبليين، سواء بشكل صحيح أو غير صحيح. ويُقال أن هذه هي نقطة الخلاف مع الإسلاميين، حيث يقول أحد الأشخاص إن ” المناصب الإسلامية على الأقل تعتمد على التفكير العقلاني، حتى لو كنت لا أتفق معها”.

وقد وجهت الحكومة الكويتية، في بعض النواحي، المشكلة “القبلية” إلى نفسها. ففي الستينيات والسبعينيات، عندما كانت الحكومة تناضل ضد الليبراليين والقوميين، فإنهم قاموا بجلب حوالي 200000 شخص قبلي من المملكة العربية السعودية وأعطوهم الجنسية الكويتية. وكما أوضح أحد الأشخاص قائلاً “لقد تم إعطاؤهم طرود ضخمة [في] الضواحي. فلم يكن هناك اختلاط أو استيعاب وبالتالي فقد قام البدو الجدد بتكزين أحياء بمعزل عن المجتمع الكويتي الأكبر”. وقد ارتدت هذه الاستراتيجية، حيث فقدت الحكومة ولائهم وتصويتهم. تُكون القبائل الآن أكبر كتلة في المعارضة ولاتزال الحكومة تحتفظ بالتكاليف الهائلة للرعاية الاجتماعية الخاصة “بالبدو الجدد” ونسلهم الكبير. في الواقع، فإن القبائل تتطلب للحصول على المزيد من المزايا المادية من الدولة – التي يعتبرونها نصيبهم العادل مقابل الحضر.

وبطريقة مماثلة، فقد تم بناء أحياء بأكملها من المواطنين الشيعة فقط. وقد تحسرت أحدى الناخبات قائلة “ما كل هذا الحديث القائم بين السنة والشيعة؟ فلم أسمع من قبل عن مثل هذا الازدهار في هذا الصدد، ليس هناك فارقًا فكلنا مسلمون”. وتدعمها ناخبة أخرى قائلة “في الماضي، كان السنة والشيعة يعيشون سويًا وكان هذا أمرًا جيدًا، لكن يحاول الناس خلق هذه الانقسامات الآن”. ويجب أن تقترن هذه الأحداث مع الخطاب المتقلب المضاد للبدو الذي قدمه الجويل فضلاً عن العنف الشعبي الذي تلى ذلك. ولسوء الحظ، فقد تواجد هذا الأمر جنبًا إلى جنب مع وجود التوترات الطائفية التي تتداخل مع توترات البدو/الحضر، حيث إن المجتمع الشيعي مجتمع حضري في المقام الأول. وبالنظر إليهما معًا، يبدو أن الخطاب الاجتماعي والسياسي في الكويت أصبح أكثر تشددًا.

ماذا الآن؟ أولاً، فإن العملية الملتوية والحرجة التي تنطوي على تعيين الأشخاص لتشكيل مجلس جديد أمر جاري الآن. فيجب تشكيل حكومة جديدة قبل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان الجديد، التي ستنعقد في 15 فبراير. كما أنه من الضروري المراقبة عن كثب لمعرفة نواب المعارضة، إن وجدوا، الذين تم تعيينهم في المجلس. فإذا قام رئيس الوزراء بتعيين من 4 إلى 6 أعضاء من المعارضة، كما فعل في عام 1992، فإنه قد يتم تشتيت الغالبية المعارضة في البرلمان وتمهيد الطريق لبعض التعاون. علاوة على ذلك، تستطيع الحكومة تأطير هذا الفعل باعتباره “احترام من جانبنا للتصويت الديمقراطي”، لكن من الممكن أن يتطلب هذا الأمر من الأسرة الحاكمة أن تتنحى عن مسار المواجهة.

ثانيًا، هناك الكثير من المراهنات على نتيجة التصويت لرئيس البرلمان الذي تم اختياره بواسطة أعضاء البرلمان والأعضاء المجلس الخمسة عشر. أحمد السعدون، أقدم عضو في البرلمان ومتحدث سابق، هو قائد منذ زمن طويل في المعارضة ومنافسًا قويًا، ويقوم بالتركيز على زيادة السيطرة البرلمانية على الأسرة الحاكمة. وقد أعلن ثلاثة وثلاثون عضوًا من أعضاء البرلمان علنًا عن دعمهم للسعدون، بما في ذلك 18 من أعضاء البرلمان الإسلاميين الذين اجتمعوا بالأمس، الأمر الذي جعله المرشح الأوفر حظًا بشكلٍ واضح. في حال فوزه، من المتوقع أن يقوم البرلمان بمنافسة الحكومة بقوة.

ويُعد المنافس الرئيسي لسعدون هو المتحدث الذي يبدو أنه موالي للحكومة وهو عضو البرلمان محمد جاسم الصقر، حيث إنه يناشد الحضر والليبراليين والتجار ومن المرجح أن يلجأ لاتباع منهج أكثر ميلاً للمصالحة مع الحكومة. وقد قام عضو البرلمان على الرشيد بسحب اسمه في محاولة لتعزيز الآفاق لصقر، داعيًا إلى “عهد جديد من التسامح ونسيان الماضي…وداعيًا جميع الكويتيين إلى الاتحاد”. [v] ويبدو هذا الأمر غير محتمل في ظل وجود الحملة الانتخابية. ففي حال فوزه، سيكون من المرجح حدوث اضطراب داخل البرلمان.

ثالثًا، بمجرد بدأ البرلمان في عمله، من المتوقع صدور دفعة سريعة نسبيًا من القوانين المعنية بمكافحة الفساد والإقرارات المالية، قد حدث الكثير من الصخب ردًا على مسألة تشكيل لجنة مستقلة لمكافحة الفساد. فبعض الناس يريدون محاولة توريط رئيس الوزراء السابق في تهم فساد ويطالبون بإقرار كامل حول عائدات النفط وتمويلات الثروة السيادية. وتأتي هذه القضايا كنوع من أنواع الاستجابة للمزاج الشعبي ولكنها من المحتمل أن تثبت أنها جدلية للغاية الأمر الذي سيعيق مضيها قدمًا.

وسيأتي المصدر الأخير المحتمل للصراع في الأيام الأولى حول مكان الإسلام، فقد أعلنت الكتلة الشعبية أنها سوف تدعم الحركة لتعديل الدستور الكويتي وبالتالي يكون الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع. وتتطلب هذه الحركة، التي تواجه معارضة قوية من الليبراليين والأسرة الحاكمة، الحصول على موافقة ثلثي الجمعية العمومية فضلاً عن موافقة الأمير. فمن غير المرجح المرور بهذه المرحلة، لكن سوف يكشف النقاش عن الكثير من الديناميات الداخلية للتحالفات.

وعلى الرغم من أن هذا الأمر يبدو مفزعًا، فإنه تجدر الإشارة إلى أن الكويت لديها باع طويل مع السياسة البرلمانية والمجتمع المدني النابض بالحياة والمناقشة السياسية القوية المنفتحة بالمقارنة مع الدول المجاورة لها التابعة لمجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، فإن الانتخابات المتكررة تجبر الجهات الفاعلة على إنفاق مواردها الهائلة ووقتها وطاقتها الفكرية على الحملات والتي قد يكون من الأفضل إنفاقها لمعالجة القضايا المادية المتعلقة بالمسائلة السياسية التنمية الاقتصادية الوطنية.