Commentary

هل هي نهاية اللعبة في غزّة؟

Palestinian President Mahmoud Abbas (C) and Palestinian security adviser Mohammad Dahlan (R) attend a meeting with Prime Minister Ismail Haniyeh in Gaza April 5, 2007. REUTERS/Mohammed Salem (GAZA) - RTR1OBRZ

يبدو الخبر الذي انتشر هذا الأسبوع حول إبرام قادة حماس في غزّة اتفاقاً جديداً مع القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان وكأنه مؤشّرٌ لبدء مرحلة جديدة، ليس في السياسة الفلسطينية فحسب، بل في الساحة الفلسطينية–الإسرائيلية والإقليمية العربية عموماً. وما كان يبدو بعيد المنال أصبح اليوم حقيقة واقعة، نظراً لتحوّل موازين القوى بسبب أزمة مجلس التعاون الخليجي الحالية مع قطر.

الضغائن

هناك تاريخ حافل بالضغائن بين حماس ودحلان. فعندما كان هذا الأخير يشغل منصب مدير الأمن الداخلي في غزّة، أمر بإجراء حملات تطهير ضد حماس. وطوال الفترة التي استغرقها اتفاق أوسلو والانتفاضة الفلسطينية الثانية، جعل دحلان قوات الأمن التابعة له تعتقل قادة حماس وكوادرهم. وأثناء هذه الاعتقالات، انتشرت مزاعم بأنّ شخصيات كبيرة في حماس قد أهينت، بل وحتى تعرّضت للتعذيب.

وفي يونيو 2007، تعرّض رجال دحلان في غزّة للإهانة من قبل حماس. ووصف مسؤولون أمريكيون كبار الرئيس عبّاس والقيادة السياسية لحركة فتح في رام الله بأنهم شكّلوا عقبة أمام عمل قادة دحلان الميدانيين في غزّة أكثر مما ساعدوهم. وفي اجتماعات طارئة عقدها مجلس فتح – تغيّب دحلان عنها – اضطر الرئيس للاعتراف بأنه استنفذ كافة الوسائل لحل الوضع في غزّة. واضطر العديد من مساعدي دحلان الموثوقين إلى الفرار من غزّة تحت جنح الظلام. إذ نُفيوا وأُجبروا على هجر مكاتبهم وفيلاتهم الفخمة وسياراتهم.

العزلة

يبدو وكأن الرئيس عبّاس جعل دحلان يدفع ثمن هزيمة فتح في غزّة. فقد تم فصله لاحقاً من فتح، وأُرغم على العيش في المنفى في دولة الإمارات العربية المتحدة. وبعدها، وُجّهت إليه غيابياً اتهامات بالفساد ضمن قرار اتهام قيل إنه أُجيز من قبل الرئيس عبّاس. وقد طال أمد الخلاف بين قياديَيّ فتح الخصمين. كذلك، عُزِلت حركة حماس في غزّة، ما أدّى إلى معاناة الغزّاويين. وفرضت إسرائيل حصاراً على القطاع استمر عشر سنوات طبّقته مصر. ورغم أنّ الرئيس عبّاس كان قد أقرّ دفع رواتب موظفيه العموميين في قطاع غزّة، إلا أنّ هذه الرواتب قد خُفّضت. وفي الآونة الأخيرة، بدا واضحاً أن الرئيس عبّاس أراد أن يزيد الضغط على المدينة، إذ طلب من إسرائيل خفض إمدادات الكهرباء لأهالي غزّة، بهدف الضغط على حماس. وقد حذّرت بعض الوكالات الدولية، مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر، من “انهيار ممنهج” للبنية التحتية والاقتصاد في غزّة.

دحلان وحماس الآن على عتبة عهد جديد من العلاقات. هذا يعني أنه لا بد من تنحية عداوات الماضي العميقة جانباً، إذ يبدو أنّ الطرفين سيتحدان في وجه عدوهما المشترك، الرئيس عبّاس.

تقاسم السلطة

منذ انهيار حكومة الوحدة الوطنية في العام 2007، بذلت كل من حماس وفتح محاولات لا حصر لها، غالباً بوساطة مصرية، لتقاسم السلطة في هذا الجيب الساحلي الصغير. لكن خطط تقاسم السلطة في قطاع غزّة قد باءت بالفشل. ومن الناحية السياسية، ظلّ جناح فتح بقيادة الرئيس عبّاس غائباً فعلياً في غزّة.

في البداية بدا أنّ الأخبار حول اتفاق بشأن تقاسم السلطة بين حماس ودحلان – بعنوان “وثيقة وفاق وطني لبناء الثقة”- لم تحمل شيئاً جديداً. تتناول بنود الوثيقة إجراءات مهمّة لبناء الثقة ضرورية لإتمام المصالحة ووضع حد لحالة الانقسام، مثل دفع تعويضات لضحايا العنف بقيمة تتراوح بين 50 و100 مليون دولار أمريكي.

المال والحديث عن الأمن

غير أنّ الاقتراح الحالي يقدّم عرضاً مختلفاً. أولاً، تمخّض الاتفاق فعلياً عن إنشاء لجنة مشتركة “للتضامن الاجتماعي” بين حماس وجناح فتح الذي يقوده دحلان. وسوف يعمل سمير المشهراوي، الحليف المقرّب من دحلان، مع قادة حماس في غزّة لتقديم المساعدات الإغاثية والتخفيف من وطأة الفقر على سكان القطاع، باستخدام تمويلات ربما تصل قريباً من دولة الإمارات العربية المتحدة.

ثانيا، سوف تعود حركة فتح – بقيادة محمد دحلان – إلى غزّة وسوف تحكم على الأرض إلى جانب حماس. وسيحظى جناح فتح هذا بدعم ورعاية مصر والإمارات العربية المتحدة، وبشكل غير مباشر إسرائيل والولايات المتحدة.

ثالثا، يقرّ الاتفاق الجديد بأنه حتى لو عاد دحلان إلى غزّة، فإن حماس ستبقى مسؤولة عمّا يُسمى “ملف الأمن الداخلي” والردّ على أي عدوان إسرائيلي. لكن الأمر الذي تُرك غامضاً عمداً هو مسألة الأمن الخارجي على حدود غزّة مع إسرائيل ومصر، التي كان رجال دحلان يسيطرون عليها في الماضي.

رابعاً، لن يركّز اتفاق تقاسم السلطة هذا على تحدّيات الوضعين الإنساني والاقتصادي البائسين في غزّة فحسب، بل سوف يوجّه أنظاره إلى موقع الرئاسة الذي يشغله الرئيس عبّاس في رام الله. وهذا يشكّل تهديداً مباشراً للرئيس عبّاس، ويؤكد مرة أخرى وجهة النظر القائلة بإن دحلان يمكن أن يكون خلفاً للرئيس المريض.

وقد أدّى هذا الاحتمال إلى تكهنات بأن هذا سيكون المشروع الجديد “لدولة-غزّة” وأنه سيكون برئاسة محمد دحلان. وقد استبعد قادة حماس هذا الأمر بشكل قاطع، لكن هذا لا يعدو كونه محاولة للدفاع عن النفس من موقف ضعيف. إذ لم يعد لديهم خيارات سوى القبول بدحلان وبالموقف المصري – الإماراتي. وقد قدّم قادة حماس الاتفاق على أنه خطوة نحو الوفاق الوطني وإنهاء حالة الانقسام.

الانحسار الإقليمي

سيكون لعودة دحلان إلى غزّة وظهور الموالين له مجدداً في مواقع الحكم عواقب هامة. إذ قد يشير هذا السيناريو إلى انحسار دور قطر وتركيا في غزّة، واستبدالهما بدولة الإمارات ومصر. علماً بأن إسرائيل قد ترحب بهذا الاستبدال بطريقة إيجابية.

مصر والإمارات العربية المتحدة هما من الجهات الفاعلة الإقليمية التي تشعر إسرائيل بالارتياح إزاءهما. وتتشارك هذه الدول الثلاثة مواقف متشابهة من حماس ومن موضوع مكافحة الإرهاب. وكلا حماس ودحلان يدركان الدور المحوري الذي تؤدّيه مصر.

لقد وضعت مصر مسبقاً فريقاً تقنياً في غزّة لتقييم الاحتياجات العاجلة بهدف تحديد أولويات المساعدة. تنتهز حماس هذه الفرصة وتضمن لمصر بالمقابل مسألة مكافحة الإرهاب مع تقديم ضمانات أمنية – لاسيّما وأنّ ذلك يتعلق بمراقبة الحدود والتصدّي للتهديدات الآتية من شمال سيناء.

يدرك قادة حماس أنه يتحتّم عليهم إعادة بناء الثقة والمصداقية مع المصريين. ومن الواضح أيضاً أنّ دولة الإمارات العربية المتحدة مستعدة لتمويل الاتفاق والخطط الساعية إلى تحسين حياة الغزّاويين العاديين وتثبيت خطة حماس- دحلان. بموجب هذه الخطة ستكون غزّة قادرة على الوصول إلى العالم الخارجي عبر مصر. ومن شأن هذا أن يحول دون وقوع أزمة إنسانية تلوح في الأفق وأن يتيح فرصاً للانتعاش الاقتصادي.

ستشعر الولايات المتحدة بالقلق إزاء الاتفاق الجديد في غزّة، لكنها ستكون سعيدة بالتنحي وإفساح المجال لتطبيقه. وتعلم واشنطن أنها تستطيع الاعتماد على مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة لغلّ يد حماس وتقييدها بطرق تدعم أجنداتها الخاصة التي تتماشى مع مصالح إسرائيل. كما تدرك أنّه من الأفضل الحصول على مصر السيسي لقيادة هذا الجهد الخاص في مكافحة الإرهاب من حيث صلته بغزّة وشمال سيناء، بدلاً من الرئيس عبّاس الغائب.